وجه كون الخطاب بالحج للناس والصلاة والصوم للمؤمنين
السُّؤَالُ
ـيقول الله تبارك وتعالى يا أيها الذين آمنوا أقيموا الصلاة، وكذلك يقول يا أيها الذين آمنوا أتوا الزكاة، ويقول كذلك يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم، وبالنسبة للحج يقول وأذن في الناس بالحج يأتونك. لماذا لم يقل الله تبارك وتعالى وأذن في المؤمنين بالحج مثلا كما عبر بذلك في الصلاة والصيام والزكاة؟ـ
الفَتْوَى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأمر بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة قد تكرر كثيرا في القرآن من غير أن تتقدم عليه يا أيها الذين آمنوا مثل قوله تعالى: وَأَقِيمُواْ الصَّلَاةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ. {البقرة٤٣}
وقوله تعالى: وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {سورة المزمل٢٠}
كما أمر بالصيام وأخبر بفرضه بقوله تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ. {البقرة١٨٣}
وأخبر بأن الحج واجب على المستطيع بقوله تعالى: وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ. {آل عمران٩٧} .
وهذه العبارات كلها دالة على وجوب إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والصيام والحج وإن كانت الأساليب مختلفة.
أما كون الأمر بالصيام جاء خطابا للذين آمنوا والأمر بالحج جاء خطابا للناس فقد تكون لذلك حكمة يعلمها الله سبحانه وتعالى، لكن الخطاب بهما من حيث الفقه واحد وهو أن الصيام والحج مفروضان على المسلمين، وأن الكفار مخاطبون بهما بناء على أنهم مخاطبون بفروع الشرع، وهو الراجح كما تقدم في الفتوى رقم: ٧٣٩٦٠.
ففي مناهل العرفان للشيخ عبد العظيم الزرقاني بعد أن ذكر براعة القرآن في تصريف القول وتفننه في أساليب الكلام قال: ومعنى هذا أنه يورد المعنى الواحد بألفاظ وبطرق مختلفة بمقدرة فائقة خارقة منها تعبيره عن طلب الفعل من المخاطبين بالوجوه الآتية:
الإتيان بصريح مادة الأمر نحو قال الله تعالى: إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا، والإخبار بأن الفعل مكتوب على المكلفين نحو: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ.
والإخبار بكونه على الناس نحو: وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ... اهـ
ثم إنك لو نظرت في القرآن وجدته تارة يأمر الناس عامة والذين آمنوا على الخصوص بالأمر الواحد، مثال ذلك: يا أيها الناس اتقوا ربكم، ويا أيها الذين آمنوا اتقوا الله. ونحو هذا.
أما قوله تعالى: وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ. {الحج٢٧}
فهو خطاب لإبراهيم عليه السلام.
والله أعلم.
تَارِيخُ الْفَتْوَى
١٢ صفر ١٤٢٩