التعامل مع الكفار
السُّؤَالُ
ـأعمل في شركة معظم موظفيها من الهندوس مع العلم أن أصحاب الشركة مسلمون ما هو موقف الإسلام من عملي في هذه الشركة مع العلم بأنني أتعامل معهم بود ولطف نظراً لطبيعة عملي.
أرجو الإفاده لأنني قلق جدا ودائم التفكير في الموضوع.ـ
الفَتْوَى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأما بخصوص عملك في الشركة المذكورة، فلا حرج فيه إذا كان مجال عملها قاصراً على ما أذن فيه شرعاً.
وأما عن كيفية تعاملك مع من ذكرت من الهندوس، فإنها حالهم هم معك، ومع غيرك من المسلمين، فمن كان منهم مجاهراً بمحادة الله ورسوله معلنا لذلك، أو معروفاً بسوء معاملته للمسلمين لأجل إسلامهم لا لموجب عداوة دنيوية، فالواجب على المسلمين إظهار عداوته، قال تعالى: (إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) الممتحنة:٩ .
ولا يرخص في معاملتهم بالحسنى إلا لاتقاء شرهم إن كان لهم بأس، قال تعالى: (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ) آل عمران:٢٨ .
أما من كان منهم كافاً لشره عن المسلمين، فالواجب معاملته بالحسنى، قال تعالى: (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) الممتحنة:٨ .
قال الإمام القرطبي: هذه الآية رخصة من الله تعالى في صلة الذين لم يعادوا المؤمنين ولم يقاتلوهم. اهـ.
وفي الصحيحين عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت: قدمت أمي وهي مشركة في عهد قريش إذ عاهدوا، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، إن أمي قدمت وهي راغبة أفأصلها؟ قال: "نعم صلي أمك".
وبموجب هذا التفصيل تتحدد طريقة تعاملك معهم إما بالحسنى، وإما بإظهار العداوة، مع أنه يجب التنبه إلى أن المعاملة الحسنى لا تقتضي محبتهم وموادتهم، قال تعالى: (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) المجادلة:٢٢ .
والفرق بين البر بهم والإحسان إليهم، وبين موادتهم وموالاتهم، أن عقد الذمة يوجب حقوقاً علينا لهم، لأنهم في جوارنا، فوجب علينا أن نبرهم بكل أمرٍ لا يكون ظاهره دالاً على مودّات القلوب، وتعظيم شعائر الكفر، فمتى أدى إلى أحد هذين امتنع وصار من قبيل ما نهي عنه في الآية الأخرى، ويتضح ذلك بالمثال: فإخلاء المجالس لهم عند قدومهم علينا، والقيام لهم حينئذ، ونداؤهم بالأسماء العظيمة الموجبة لرفع شأن المنادى بها، هذا كله حرام.
وأما ما أمر به من برهم من غير مودة باطنية، فمن أمثلته الرفق بضعيفهم، وسد خلة فقيرهم، وإطعام جائعهم، وإكساء عاريهم، ولين القول لهم على سبيل اللطف والرحمة لا على سبيل الخوف والذلة، واحتمال إذايتهم في الجوار مع القدرة على إزالته لطفاً منا بهم لا خوفاً وتعظيماً، والدعاء لهم بالهداية، وكل خير يحسن أن يفعله الأعلى للأسفل، فإن ذلك من مكارم الأخلاق، فجميع ما نفعله معهم من ذلك ينبغي أن يكون من هذا القبيل، لا على وجه العزة والجلالة منا، ولا على وجه التعظيم لهم وتحقير أنفسنا بذلك الصنيع لهم، وينبغي لنا أن نستحضر في قلوبنا ما جبلوا عليه من بغضنا، وتكذيب نبينا صلى الله عليه وسلم، وأنهم لو قدروا علينا لاستأصلوا شأفتنا، واستباحوا دمائنا وأعراضنا وأموالنا، وأنهم من أشد الناس معصية لربنا ومالكنا عز وجل، ثم نعاملهم بعد ذلك بما تقدم ذكره امتثالاً لأمر ربنا، وأمر نبينا صلى الله عليه وسلم لا محبة فيهم، ولا تعظيماً لهم، ولا نظهر آثار تلك الأمور التي نستحضرها في قلوبنا من صفاتهم الذميمة، لأن عقد العهد يمنعنا من ذلك، فنستحضرها حتى يمنعنا استحضارها من الود الباطن المحرم علينا.
والله أعلم.
تَارِيخُ الْفَتْوَى
٠٥ جمادي الثانية ١٤٢٢