دفاع عن ابن كثير وابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب
السُّؤَالُ
ـما رأيكم من يقول الأشاعرة والماتريدية هم أهل السنة والجماعة وأن السلفية والوهابية دعاة تجسيم
وما رأيكم عن هذه الرواية عن سيدنا علي يقول يرجع من هذه الأمة عند اقتراب الساعة كفار (ينكرون خالقهم فيصفونه بالجسم والأعضاء) رواه ابن المعلم القرشي في كتاب نجم المهتدي ورجم المعتدي (واني وضعة نصف الرواية)
وهل ابن تيمية تاب ورجع إلى مذهب الأشعرية
وهل ابن كثير كان أشعريا فان كان جوابكم لا فلماذا لم يفسر على تفسير السلفية عند صور يوم يكشف عن ساق
وأرجو منكم الرد على هذه الأسئلة لأنه بعض الأشخاص يطعنون بالشيوخ بأنه دعاة التجسيم وهل أحد من الصحابة كان يؤول الآيات القرآنية أو أحد من الأمة مثل احمد بن حنبل والشافعي
وجزاكم الله خيرا.ـ
الفَتْوَى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأهل السنة والجماعة هم كل من اتبع سنة محمد صلى الله عليه وسلم واجتمع على الحق، وهم صحابة رسول الله ومن اقتفى أثرهم، وهم الذين يصفون الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بالمحامد، وبالأسماء الحسنى وبالصفات العلى، ويثبتون له ما أثبته لنفسه، وهم - دون غيرهم - الطائفة المنصورة والفرقة الناجية.
قال في معارج القبول في وصفهم (وهو كلام مستفاد من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية) :
فهم الوسط في فرق هذه الأمة كما أن هذه الأمة هي الوسط في الأمم، فهم وسط في باب صفات الله تعالى بين أهل التعطيل الجهمية وأهل التمثيل المشبهة وهم وسط في باب أفعال الله تعالى بين الجبرية والقدرية وفي وعيد الله بين المرجئة والوعيدية من القدرية وغيرهم، وفي باب الإيمان والدين بين الحرورية والمعتزلة وبين المرجئة والجهمية، وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الرافضة والخوارج، فهم والله أهل السنة والجماعة وهم الطائفة المنصورة إلى قيام الساعة الذين لم تزل قلوبهم على الحق متفقة مؤتلفة وأقوالهم وأعمالهم وعقائدهم على الوحي لا مفترقة ولا مختلفة فانتدبوا لنصرة الدين دعوة وجهادا وقاوموا أعداءه جماعات وفرادى ولم يخشوا في الله لومة لائم ولم يبالوا بعداوة من عادى فقهروا البدع المضلة وشردوا بأهلها واجتثوا شجرة الإلحاد بمعاول السنة من أصلها فبهتوهم بالبراهين القطعية في المحافل العديدة وصنفوا في رد شبههم ودفع باطلهم وإدحاض حججهم الكتب المفيدة فمنهم المتقصي للرد على الطوائف بأسرها ومنهم المخلص لعقائد السلف الصالح من غيرها.
ولم تنجم بدعة من المضلين الملحدين إلا ويقيض الله لها جيشا من عباده المخلصين فحفظ الله بهم دينه على العباد وأخرجهم بهم من ظلمات الزيغ والضلالة إلى نور الهدى والرشاد وذلك مصداق وعد الله عز وجل بحفظه الذكر الذي أنزله؛ كما قال تعالى: إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون. اهـ
وأما القول بان أهل السنة هم الأشاعرة والماتريدية فقول بعيد عن الحق، والإنصاف يقتضي القول بأنهم أقرب أهل المقالات إلى السنة، وهم من أهل السنة فيما وافقوا فيه السنة، وليسوا منهم فيما خالفوها، وقد سبق في الفتوى رقم: ٣٨٩٨٧، أن هاتين الفرقتين تخالفان منهج أهل السنة في مسائل عديدة؛ فراجعها.
وأما القول بأن السلفية والوهابية دعاة تجسيم فكذلك لا يصح وهذا من تشنيع أهل البدعة عليهم، والمعروف عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباعه أنهم دعاة إلى التوحيد الذي كان عليه سلف الأمة من الصحابة والتابعين ومن تبعهم من أئمة الإسلام على ذلك.
والشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- قد شهد له العلماء المنصفون بالعلم والاستقامة والصلاح، وهو من المصلحين المجددين لما اندرس من معالم التوحيد في زمنه رحمه الله، فهو بريء من التشبيه والتجسيم، وهذه كتبه ومؤلفاته في متناول الباحث، فليوقفنا على جملة واحدة منها تدعو إلى ذلك أو تقره وترضى به، وانظر في التعريف بالشيخ محمد بن عبد الوهاب وذكر ثناء العلماء عليه الفتوى رقم: ٥٤٠٨، والفتوى رقم: ٧٠٧٠.
وننبه السائل هنا إلى أن الشيخ وأتباعه لم يختاروا ولم يسموا أنفسهم بهذا اللقب، وإنما أسماهم به مخالفهم ممن أراد التشنيع عليهم وإلا فهم لم يدعوا إلا لمذهب السلف.
كما ننبه إلى أن السلفية لا تعني طائفة بعينها من المسلمين أو حزبا يدعي ذلك بل كل من اتبع منهج السلف الصالح فهو سلفي.
وأما ما ذكرت عن علي رضي الله عنه فلا يعرف في شيء من كتب السنة كما لا يعلم راو بهذا الاسم المذكور ولا كتاب بهذا الاسم، فالظاهر أنه من تلفيق أهل البدع وافترائهم.
وأما شيخ الإسلام ابن تيمية فهو إمام فذ من أئمة أهل السنة، وهو من أعظم من بين مذهبهم ونافح عنه وانتصر له من علماء عصره ومن جاء بعدهم، وممن بين حيدة منهج الأشاعرة عن منهج أهل السنة فيما خالفوا الحق فيه، ومؤلفاته شاهدة بذلك فكيف يقال بأنه رجع إلى مذهب الأشاعرة ثم كيف تسمى تلك توبة؟ ومن ادعى شيئا من ذلك فليأت عليه ببينة.
وأما ابن كثير فهو من تلاميذ شيخ الإسلام ابن تيمية ومن أعلام أئمة السلف وما ورد عنه في تفسير الآية المذكورة ليس خروجا عن منهج السلف بل هو التزام به حيث إنه أورد في تفسير تلك الآية ما جاء عن النبي ثم أورد ما جاء عن السلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان وهذا نص كلامه قال رحمه الله:
لما ذكر تعالى أن للمتقين عنده جنات النعيم، بين متى ذلك كائن وواقع، فقال: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إلى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ يعني: يوم القيامة وما يكون فيه من الأهوال والزلازل والبلاء والامتحان والأمور العظام. وقد قال البخاري هاهنا: حدثنا آدم، حدثنا الليث، عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يَسَار، عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "يَكشِفُ رَبّنا عن ساقه، فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة، ويبقى من كان يسجد في الدنيا رياء وسمعة، فيذهب ليسجد فيعود ظهره طَبَقًا واحدًا". وهذا الحديث مخرج في الصحيحين وفي غيرهما من طرق وله ألفاظ، وهو حديث طويل مشهور.
وقد قال عبد الله بن المبارك، عن أسامة بن زيد، عن عِكْرِمة، عن ابن عباس: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ قال: عن أمر عظيم، كقول الشاعر: وقامت الحرب بنا عن ساق. وقال ابن أبي نَجِيح، عن مجاهد: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ قال: شدة الأمر. اهـ
وما توهمه البعض من كون الشيخ ابن كثير قد أول هنا صفة الساق فهو غير صحيح إذ الساق في الآية ليست مضافة إلى الله تعالى كما هي في الحديث، فكان خلاصة ما ذكره أن الساق هنا إما أن يراد بها صفة من صفات الله عز وجل، وإما أن يراد بها غير ذلك كما ذكره عن ابن عباس وغيره، وليس في كون المراد بها في الآية غير الصفة ما يفيد أنه يؤول صفة الساق الثابتة لله عز وجل، ومما يبطل هذا الوهم انه أورد حديثا دالا على ثبوتها، ثم إن من أراد الإنصاف في الحكم فإنه لا يأخذ موضعا اشتبه عليه فيه كلام المحكوم عليه ويهمل غيره؛ بل الواجب جمع كلامه بعضه إلى بعض، وبالرجوع إلى تفسير ابن كثير في سائر كلامه عن صفات الله عز وجل يعلم يقينا أنه يلتزم منهج أهل السنة والجماعة.
وهكذا لم يكن أحد من أئمة أهل السنة كالإمام أحمد أو الشافعي أو غيرهما يؤولون الصفات فضلا عن غيرهم من الصحابة الكرام رضي الله عنهم أجمعين.
والله أعلم.
تَارِيخُ الْفَتْوَى
١٦ ربيع الأول ١٤٢٩