كيد اليهودي شاس بن قيس للوقيعة بين المسلمين
السُّؤَالُ
ـما هما القبيلتان اللتان حاول شاس بن قيس اليهودي أن يوقع بينهما؟ـ
الفَتْوَى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلعل السائل الكريم يريد ما حدث بين الأوس والخرج من الخصومة بعد الإسلام حتى ثاروا إلى السلاح وكادوا يقتتلون لولا تدخل النبي صلى الله عليه وسلم بينهم، وذلك بسبب دسائس اليهود ومكرهم وكيدهم، وما دبره اليهودي شاس بن قيس لحقده على ألفة الأوس والخزرج على الإسلام.
فقد روى الطبري بسنده وغيره عن زيد بن أسلم قال: مر شاس بن قيس -وكان شيخا قد عسا في الجاهلية عظيم الكفر شديد الضغن على المسلمين شديد الحسد لهم- على نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأوس والخزرج في مجلس قد جمعهم يتحدثون فيه، فغاظه ما رأى من جماعتهم وألفتهم وصلاح ذات بينهم على الإسلام بعد الذي كان بينهم من العداوة في الجاهلية، فقال: قد اجتمع ملأ بني قيلة -يعني الأنصار الأوس والخزرج- بهذه البلاد، لا والله ما لنا معهم إذا اجتمع ملؤهم بها من قرار، فأمر فتى شابا من يهود وكان معه فقال له: اعمد إليهم فاجلس معهم فذكرهم يوم بعاث وما كان قبله، وأنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من الأشعار، ففعل، فتكلم القوم عند ذلك فتنازعوا وتفاخروا حتى تواثب رجلان من الحيين على الركب فتقاولا، وقال بعضهم لبعض: إن شئتم رددناها الآن جذعة، وغضب الفريقان وقالوا: قد فعلنا السلاح السلاح موعدكم الحرة فخرجوا إليها وتحاوز الناس على دعواهم التي كانت في الجاهلية، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج إليهم فيمن معه من أصحابه حتى جاءهم فقال: يا معشر المسلمين الله الله.. أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد إذ هداكم الله إلى الإسلام وأكرمكم به وقطع عنكم أمر الجاهلية واستنقذكم به من الكفر وألف بين قلوبكم ترجعون إلى ما كنتم عليه كفارا؟! فعرف القوم أنها نزغة من الشيطان وكيد من عدوهم، فألقوا السلاح وبكوا وعانق بعضهم بعضا، ثم انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سامعين مطيعين، قد أطفأ الله عنهم كيد عدو الله شاس بن قيس.
فأنزل الله تعالى في ذلك: قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللهِ وَاللهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ * قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ مَنْ آَمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ {آل عمران:٩٨-٩٩}
وأنزل في الأوس والخزرج: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ * وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آَيَاتُ اللهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ {آل عمران:١٠٠-١٠١-}
وفي هذه القصة وفي الآيات التي نزلت بسببها من الدروس والعظات والعبر ما ينبغي للمسلمين أن يقفوا عنده ويتأملوه طويلا، وخاصة في هذه الأيام التي كثرت فيها دسائس اليهود والنصارى، وتنوعت مكائدهم لتمزيق صف المسلمين وإثارة النعرات القبلية والطائفية بينهم حتى أصبحوا يقتتلون في كل مكان وعلى أتفه الأسباب، وما كان لهم أن يصلوا إلى ما وصلوا إليه لولا بعد المسلمين عن دينهم وتجاهلهم لتاريخ هؤلاء الأعداء مع نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم ومع المسلمين على مر التاريخ، وقد حذرنا القرآن الكريم من كيدهم فقال تعالى: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ {البقرة: ١٠٩} وقال تعالى: وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً {النساء: ٨٩}
والحاصل أن القبيلتين المذكورتين هما الأوس والخزرج، وأن في قصة ذلك اليهودي مع المسلمين ما يجب أن نقف عنده طويلا.
والله أعلم.
تَارِيخُ الْفَتْوَى
٠٤ محرم ١٤٢٨