حكم التوسل بسر الفاتحة، وشد الرحال لزيارة القبور
السُّؤَالُ
ـالسلام عليكم ورحمه الله وبركاته
أريد أن أسأل عن حكم زيارة الأولياء (السيدة زينب ونفيسة وسيدنا الحسين) وغيرهم ما حكم زيارتهم وهل الدعوى بهم مقبولة أو مستحبة لما لهم من محبة من الله وكذلك التبرك بهم
وإني أدعو فأقول اللهم بحق سيدنا محمد وآل بيته وبحق السيدة زينب وبسر الفاتحة كذا وكذا وأدعو فهل ذلك حرام - أرجو الرد لأني حائرةـ
الفَتْوَى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فزيارة القبور مستحبة في أي وقت، ولا فرق بين زيارة قبور الأنبياء أو الصالحين من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم أو غيرهم لأن الجميع أولياء الله، إلا أن ولايتهم تتفاوت حسب تفاوت إيمانهم وتقواهم. ولا بأس أن يخص المرء بزيارته قبراً معيناً كقبر والديه أو معلمه ونحوهم.
وأما زيارة الأضرحة والمقامات ففيها تفصيل سبق بيانه في الفتوى رقم:
٩٩٤٣ ... والفتوى رقم: ٩٤٧٦.
وأما شد الرحال لزيارة قبور الأولياء والصالحين ففيه خلاف بين العلماء، والراجح منعه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى. متفق عليه.
قال الحافظ في الفتح: واختلف في شد الرحال إلى غيرها كالذهاب إلى زيارة الصالحين أحياءً وأمواتاً، وإلى المواضع الفاضلة لقصد التبرك بها والصلاة فيها، فقال الشيخ أبو محمد الجويني يحرم شد الرحال إلى غيرها عملا بظاهر هذا الحديث، وأشار القاضي حسين إلى اختياره وبه قال عياض وطائفة. ويدل عليه ما رواه أصحاب السنن من إنكار أبي بصرة الغفاري على أبي هريرة خروجه إلى الطور وقال له: لو أدركتك قبل أن تخرج ما خرجت، واستدل بهذا الحديث، فدل على أنه يرى حمل الحديث على عمومه ووافقه أبو هريرة. والصحيح عند إمام الحرمين وغيره من الشافعية أنه لا يحرم وأجابوا عن الحديث بأجوبة، ثم ذكر الأجوبة. وهي كثيرة يطول ذكرها وكلها لا تنهض لرد دلالة الحديث وفهم الصحابي أبي بصرة وموافقة أبي هريرة له.
وقد رد على هذه الأجوبة شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى وبين ضعفها، وهكذا ابن عبد الهادي في كتابه الصارم المنكي في الرد على السبكي، وقررا عدم مشروعية شد الرحال.
وأما دعاء الأولياء والطواف حول قبورهم وتقديم القرابين لهم لإذهاب الهموم والغموم وإزالة الشدة والكرب ونحو ذلك فهو كفر ظاهر، كما سبق بيانه في الفتوى رقم:
٣٨٣٥ والفتوى رقم: ٣٧٧٩.
وأما التوسل بهم وبجاههم ونحو ذلك كقول الشخص: اللهم بجاه فلان اغفر لي أو اللهم بحق فلان اذهب همي وهكذا، فقد اختلف فيه أهل العلم والراجح منعه، كما سبق مفصلاً في الفتوى رقم:
١٧٥٩٣ والفتوى رقم: ٤٤١٦ ... والفتوى رقم: ١١٦٦٩ ولا فرق في هذا بين الأنبياء والأولياء، وأما التبرك فقد سبق بيان الجائز منه والممنوع في الفتوى رقم:
١٤٦٩٣ والفتوى رقم: ١٥٨٣٠.
وأما التوسل بسر الفاتحة كقول الشخص: اللهم بسر الفاتحة اغفر لي. فالذي يظهر أنه لا مانع منه لأن سر الفاتحة هو جماع المعنى الذي أراده الله تعالى وأنزل الكتب من أجله وعليه مدار جميع العبادات. وهذا المعنى هو كلام الله غير مخلوق بل هو صفة من صفاته، والتوسل بصفات الله مشروع، ولذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة النبوية: وقد روي عن الحسن البصري رحمه الله أن الله أنزل مائة كتاب وأربعة كتب جمع سرها في الأربعة وجمع سر الأربعة في القرآن وجمع سر القرآن في الفاتحة وجمع سر الفاتحة في هاتين الكلمتين إياك نعبد وإياك نستعين. ولهذا ثناها الله في كتابه في غير موضع من القرآن كقوله: فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ هود:١٢٣ .
إلا أن الأولى تجنب الدعاء بهذه اللفظة لأنها غير واردة عن السلف، وقد يكون المقصود منها عند بعض الناس أو الطوائف غير المعنى الذي ذكرناه.
والله أعلم.
تَارِيخُ الْفَتْوَى
١١ ربيع الثاني ١٤٢٣