القرآن الكريم متواتر (أصولا وفرشا)
السُّؤَالُ
ـسؤالي عن التواتر في القراءات القرآنية. هل هو نفس التواتر المذكور على الأحاديث المتواترة وهل يجري ذلك على الكلمة القرآنية في الرواية مثال أن كلمة (أختم) بدون الذال في رواية شعبة بن عياش عن عاصم و (أخذتم) على رواية حفص عن عاصم. هل يجري عليها أنه تناقلها فلان عن فلان إلى أن يصل التواتر إلى الرسول عليه الصلاة والسلام أم هو تواتر على الرواية كاملة مع إعطاء مثال على ذلك في إحدى الروايات وجزاكم الله خيراـ
الفَتْوَى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقبل الإجابة عن السؤال ينبغي أن نعرف التواتر لغة واصطلاحاً.
فالتواتر لغة: معناه مجيء الواحد بعد الواحد بفترة بينهما،
واصطلاحاً: هو إخبار جمع، أو نقل جمع يستحيل عادة تواطؤهم على الكذب طبقة بعد طبقة إلى أن يصل إلى المخبَر به ليفيد العلم اليقيني كنقل القرآن العظيم. أفاده صاحب نشر البنود على مراقي السعود.
ومن هذا التعريف للتواتر نعلم يقينا أن القرآن الكريم نقل إلينا بالتواتر جيلاً عن جيل يستحيل -طبعاً- أن يتواطؤوا على الكذب من عهد الصحابة إلى يومنا هذا.
قال الصفاقسي في كتابه غيث النفع في القراآت السبع: مذهب الأصوليين وفقهاء المذاهب والمحدثين والقراء أن التواتر شرط في صحة القراءة، ولاتثبت بالسند الصحيح غير المتواتر، ولو وافقت رسم المصاحف العثمانية والعربية.
وقال صاحب مناهل العرفان: والتحقيق الذي يؤيده الدليل هو أن القراءات العشر كلها متوترة.. وهو رأي المحققين من الأصوليين والقراء.
وقال المحقق ابن الجزري في كتابه منجد المقرئين: الفصل الثاني.. في أن القراءات العشر متواترة فرشا وأصولاً حال اجتماعهم وافترقهم.
فبعد ما بحث هذا الموضوع باستفاضة ورد شبه القائلين بعدم تواتر بعض الأصول كالمد والإمالة وترقيق الراءات ... والرد على القائلين بعدم تواتر بعض حروف الفرش مثل: إدغام النون في "تامنّا" والفصل بين المتضايفين، وإسكان "بارئكم...."
قال: وليت الإمام ابن الحاجب أخلى كتابه من ذكر القراءات وتواترها كما أخلى غيره كتبهم منها، وإذ قد ذكرها فليته لم يتعرض لما كان من قبيل الأداء....
ثم قال: وقال الإمام الجعبري: وكل وجه من وجوه القراءة متواتر لأنها أبعاضه (أي القرآن الكريم) إذ هو عبارة عن مجموعها.
ومما يحقق لك أن قراءة أهل كل بلد متواترة بالنسبة إليهم أن الإمام الشافعي رضي الله عنه جعل البسملة من القرآن مع أن روايته عن شيخه مالك تقتضي عدم كونها من القرآن لأنه من أهل مكة وهم يثبتون البسملة بين السورتين، ويعدونها آية من أول الفاتحة، والشافعي قرأ بقراءة ابن كثير المتواترة بمكة المكرمة عن شيخه إسماعيل القسط عن ابن كثير. .
ومما سبق يتبين لنا أن القرآن الكريم متواتر أصولاً وفرشاً، وهو الذي يقتضيه قول الله تبارك وتعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ الحجر:٩ .
فحفظ الله تعالى له يقتضي أن تنقله الأجيال اللاحقة عن السابقة، وهذا ما نشاهده في كل زمان وكل مكان.
وتواتر القرآن الكريم يتميز عن غيره من أنواع التواتر بأنه تواتر باللفظ وكيفية الأداء والنطق بالكلمة والحرف على الهيئة المروية من ترقيق وتفخيم........
وأما التواتر في الحديث فيكون باللفظ والمعنى دون ما ذكرنا من كيفية الأداء ومخرج الحرف وصفته ... وأما كلمة "أخذتم" التي مثل بها السائل الكريم، فإن ذالها مدغم في التاء لتقارب مخرجها، وذلك متواتر عند أكثر القراء العشرة.. ولم يظهر الذال سوى ابن كثير وحفص عن عاصم ورواية عن رويس عن يعقوب البصري.
وأما التواتر الذي ذكرنا فهو على القراءة بجملتها، وعلى جزئياتها كما قال ابن الجزرى: القراءات العشر متواترة فرشا وأصولاً حال اجتماعهم وافتراقهم. والمقصود بالفرش الكلمات المفردة التي لا تدخل تحت قاعدة عامة..... مثل "يخادعون" و"يكذبون".
والله أعلم.
تَارِيخُ الْفَتْوَى
١٨ جمادي الثانية ١٤٢٣