توضيح حول مناظرة الإمام عبد العزيز المكي وبشر المريسي
السُّؤَالُ
ـرقم الفتوى: ١٢٥٨٦٠.
عنوان الفتوى: القرآن كلام الله حقيقة وليس عبارة عن ترجمة لكلام الله.
فلماذا فى المناظرة التى كانت أيام الخليفة المأمون عن نفس الموضوع محل الفتوى كان من حول الخليفة المأمون يقولون له إنه مخلوق؟ فأحضر واحدا منهم وأحضرعبد العزيز ـ الذى يقول إنه كلام الله غير مخلوق ـ فى المناظرة، سأل عبد العزيز الرجل الذى أحضره له المأمون هذا السؤال: هل الله عز وجل يعلم؟ فقال الرجل لا يجهل، لماذا لم يقل الله يعلم؟ أليس عند أهل السنة والجماعة أن الله يعلم؟ وكان الله بكل شىء عليما، لماذا تهرب من قول إن الله يعلم؟.ـ
الفَتْوَى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمناظرة المذكورة كانت بين الإمام: عبد العزيز بن يحيى بن مسلم المكي المتوفى سنة ٢٤٠ هجرية، وبين بشر بن غياث المريسي الجهمي المعتزلي المبتدع، وهي مطبوعة بعنوان: الحيدة والاعتذار في الرد على من قال بخلق القرآن.
وقد سأل الإمام عبد العزيز السني بشر المريسي في المناظرة المذكورة سؤالا، بعد أن ذكر الآيات التي تثبت علم الله تعالى فقال: فأخبر الله عز وجل بأخبار كثيرة في كتابه، أن له علماً، أًفَتُقِرُّ يا بشر أن لله علما كما أخبرنا أو تخالف التنزيل؟.
قال عبد العزيز: فحاد بشر عن جوابي وأبى أن يصرح بالكفر فيقول: ليس لله علم، فيكون قد رد نص التنزيل فتتبين ضلالته وكفره، وأبى أن يقول: إن لله علماً، فأسأله عن علم الله، هل هو داخل في الأشياء المخلوقة أم لا؟ وعلم ما أريد، وما يلزمه في ذلك من كسر قوله وإبطال حجته، فاجتلب كلاماً لم أسأله عنه، فقال: معنى علمه أنه لا يجهل. فأقبلت على المأمون فقلت: يا أمير المؤمنين لا يكون الخبر عن المعنى قبل الإقرار بالشيء، وإنما يكون الإقرار بالشيء ثم الخبر عن معناه، فليقر بشر أن لله علماً كما أخبرنا في كتابه، فإن سألته عن معنى العلم وهذا مما لا أسأله عنه فليجب أن الله لا يجهل، وقد حاد بشر يا أمير المؤمنين عن جوابي. انتهى.
فواضح من النقل السابق نفي بشر المريسي بأن الله يعلم وله علم، وذلك لأن الجهمية ينفون جميع صفات الله الثابتة له في القرآن والسنة ولا يقرون سوى بصفة الوجود المطلق له، ويعني الوجود مطلق في قولهم أنه لا يوصف بشيء إلا بالسلوب، يعني النفي فقط، ولهذا قال: لا يجهل، لما سئل عن علم الله، وهم معروفون في كتب أهل السنة والجماعة بأنهم نفاة الصفات، وقد تهرب من إثبات العلم، لأنه لو أثبتها لما استطاع أن يقول بأن علم الله مخلوق، لأن هذا القول مناقض مناقضة صريحة لآيات القرآن، وسيلزمه الإمام عبد العزيز بإثبات أن كلام الله غير مخلوق أيضا مثل العلم، وأن القرآن كلام الله فهو غير مخلوق. وتهرب من نفي العلم حتى لا يتبين كفره، كما ذكر الإمام عبد العزيز في النقل السابق.
وأما أهل السنة والجماعة فيثبتون لله صفة العلم وأنه عالم وعليم بكل شيء، وقد لخص ابن تيمية ـ رحمه الله ـ مذهب السلف الصالح في هذا الباب فقال: فالأصل في هذا الباب أن يوصف بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم نفياً وإثباتاً، فيثبت لله ما أثبته لنفسه، وينفي عنه ما نفاه عن نفسه، وقد علم أن طريقة سلف الأمة وأئمتها إثبات ما أثبته من الصفات من غير تكييف ولا تمثيل، ومن غير تحريف ولا تعطيل. انتهى.
ولمزيد من التفصيل راجع الفتاوى التالية أرقامها: ٢٤٨٢١، ٢٦٢٩٩، ٢٧٠١٨، وكتاب: العقيدة السلفية في كلام رب البرية، وكشف أباطيل المبتدعة الردية للشيخ الجديع ص/٢٩٨، والعقيدة في الله للأشقر، وشرح العقيدة الطحاوية للشيخ سفر الحوالي.
والله أعلم.
تَارِيخُ الْفَتْوَى
٠٣ شوال ١٤٣٠