مذهب الأحناف في نسخ القرآن بالسنة
السُّؤَالُ
ـهل الأحناف يرون أن القرآن الكريم قاض على السنة ومهيمن عليها، وأن السنة المطهرة لا تنسخ حكما ورد في القرآن الكريم ولا تضيف حكما لم يرد في القرآن الكريم، وأن السنة المطهرة ينحصر دورها في شرح وبيان أوامر وأحكام القرآن الكريم المجملة.ـ
الفَتْوَى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نجد إطلاقا لمثل هذه العبارة فيما اطلعنا عليه من كتب الحنفية، وقد سبق أن بينا في جواب سؤال مماثل أن العبارة التي وردت عن بعض السلف هي قولهم: السنة قاضية على القرآن وليس القرآن بقاض على السنة، وذكرنا أن مرادهم بذلك أن السنة مفسرة للقرآن ومبينة له.
وأما مسألة نسخ القرآن بالسنة فمذهب الحنفية فيها أن القرآن ينسخ بالسنة المتواترة وبالسنة المشهورة ولا ينسخ بأخبار الآحاد.
قال أبو بكر الجصاص الحنفي في كتابه: الفصول في الأصول: باب القول في نسخ القرآن بالسنة: اختلف الناس في نسخ القرآن بالسنة فأجازه أصحابنا إذا جاءت السنة مجيئا يوجب العلم ولم يكن من أخبار الآحاد. اهـ والذي يوجب العلم هو المتواتر والمشهور.
قال ابن أمير حاج وهو حنفي أيضا في كتابه التقرير والتحبير وهو يعلل كون المشهور ينسخ القرآن كالمتواتر: وكونها مشهورة فيجوز نسخ الكتاب بها الحق أي هو الحق لأنه في قوة المتواتر إذ المتواتر نوعان: متواتر من حيث الرواية ومتواتر من حيث ظهوره يغني الناس عن روايته وهذا بهذه المثابة فإن العمل ظهر به مع القبول من أئمة الفتوى بلا تنازع فيجوز به النسخ. اهـ
وبهذا يتبين أن الحنفية لا يرون أن السنة ينحصر دورها في بيان أوامر وأحكام القرآن.
ولعلك تشير بقولك: (ولا تضيف حكما لم يرد في القرآن الكريم) إلى السؤال عن مسألة أخرى وهي مسألة الزيادة على النص عند الحنفية هل هي نسخ أو لا؟ ومذهبهم فيها أن الزيادة على النص نسخ فلا تقبل الزيادة عندهم.
قال البزدوي في كشف الأسرار: أما القسم الرابع فمثل الزيادة على النص فإنها نسخ عندنا. وقال الشافعي: إنه تخصيص وليس بنسخ، وذلك كزيادة النفي على الجلد وزيادة قيد الإيمان في كفارة اليمين والظهار. اهـ فالأحناف مثلا لا يرون تغريب الزاني البكر بل يرون الجلد فقط لأن التغريب عندهم يعتبر زيادة على النص. ولهذا السبب كذلك لا يرون اشتراط الإيمان في عتق الرقبة في كفارة اليمين وكفارة الظهار.
والله أعلم.
تَارِيخُ الْفَتْوَى
٠٧ رمضان ١٤٢٨