الأدلة على صدق الوعد والوعيد وصدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم
السُّؤَالُ
ـأرجو الرد بسرعة لأهمية الموضوع والرد بشكل مفصل ومطول على عنواني البريدي وجزاكم الله خير الجزاء.
ما الرد على شخص يدعي أنه مسلم يؤمن بوجود الله ونبوة النبي محمد لكنه قال الله وعد من يطيعه بالثواب والجزاء الحسن ومن عصاه بالعكس فهو قال ما يدرينا أن الله صادق في وعده والعياذ بالله وهو قال هذا كله كلام فقط ووعود فكيف نؤمن بصحتها ونصدقها , كما أنه قال: السنة انتقلت إلينا عن طريق الناس والناس عرضة لأن يكونوا كاذبين فربما يكون الشخص الذي يروي الحديث يظهر التقى لكنه يكذب على النبي أو أنه يخطئ في ألفاظ الحديث فكيف تردون على هذه التشككات والأوهام لكن من غير الاستدلال من القرآن لأن الشخص إذا كان يشك بصدق الله فكيف نستشهد له من كلامه سبحانه.ـ
الفَتْوَى
خلاصة الفتوى:
تصديق ما ثبت في الوحيين فرض على المسلم ولو لم يفهمه عقله، وقد ثبت صدق كثير مما فيهما من الوعد والوعيد فيما سبق من الأزمان؛ كما يدل لصدق ما فيهما ما ثبت من المعجزات الدالة على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم، وأما نقلة الأحاديث فقد تحرى المحققون من المحدثين فيهم فلم يقبلوا رواية غير العدل الضابط.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه. أما بعد:
فإن التصديق بوعد الله ووعيده الثابت في الكتاب والسنة من مستلزمات الإيمان بالله والغيب واليوم الآخر والملائكة والنبيين.
وقد أقسم الله تعالى في عدة آيات على تحقيق ما يوعد به الناس فقال: وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا * فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا * فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا * فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا * إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ * وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ {الذاريات ١-٦} وقال تعالى: وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا * فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا * وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا * فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا * فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا * عُذْرًا أَوْ نُذْرًا * إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ {المرسلات: ١-٧} وقال تعالى: وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ * فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ * وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ * وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ * وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ {الطور ١-٧} وقد تحقق وعد الله ووعيده في الدنيا في الأزمان والقرون الماضية كثيرا، فكم من أمة أهلكها الله بالذنوب، وكم من أمة حقق الله لها العز بسبب الطاعة. فقد قال الله تعالى: أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ {الأنعام: ٦} وقال تعالى في إهلاك قوم نوح وهود وصالح بعد ما تحدوا الرسل وقالوا: فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين: وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آَيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا * وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا * وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا {الفرقان: ٣٧-٣٩} وقال في إهلاك عاد وثمود وقوم موسى: وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمَ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ * وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ * فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا {العنكبوت: ٣٨-٣٩} وقد أغرق الله فرعون وقومه ورآهم بنو إسرائيل، وأعز الله بني إسرائيل ونجاهم من مكر فرعون ومكن لهم في الأرض كما قال تعالى: وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ {البقرة: ٥٠} وقال تعالى: وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آَيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ * فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آَيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ * وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ * فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ * فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ * وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ {الأعراف: ١٣٢-١٣٧}
هذا في تحقق وعد الله ووعيده.
وأما ما ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم فمن أعظم ما يشهد لصحته دلائل صدق النبي صلى الله عليه وسلم، فقد أخبر الكفار في عهده أنهم لم يجربوا عليه كذبا؛ كما قال أبو سفيان لهرقل في حديث البخاري، ويدل له أيضا ما أكرمه الله من المعجزات الدالة على تأييد نبوته الموجب لتصديقه وطاعته.
وقد ذكر من ألفوا في دلائل النبوة في السير كثيرا من المعجزات والأخبار المستقبلة التي تحدث عنها النبي صلى الله عليه وسلم وجاءت واقعيا كما أخبر، كما ذكر من كتبوا في العقيدة كثيرا من علامات الساعة الصغرى التي تحدث عنها النبي صلى الله عليه وسلم وقد وقعت كما أخبر.
ومن أعظم ذلك البركان الذي حدث في المدينة ووصل ضوؤه بلاد الشام، وقد تحدث عنه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء أعناق الإبل ببصرى. متفق عليه.
قال ابن كثير في البداية والنهاية عند الكلام على ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم من الكائنات المستقبلة في حياته وبعده: حديث آخر فيه الإخبار عن ظهور النار التي كانت بأرض الحجاز حتى أضاءت لها أعناق الإبل ببصرى، وقد وقع هذا في سنة أربع وخمسين وستمائة.
قال البخاري في صحيحه: ثنا أبو اليمان ثنا شعيب عن الزهري قال: قال سعيد بن المسيب: أخبرني أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء لها أعناق الإبل ببصرى. تفرد به البخاري. وقد ذكر أهل التاريخ وغيرهم من الناس: وتواتر وقوع هذا في سنة أربع وخمسين وستمائة. قال الشيخ الإمام الحافظ شيخ الحديث وإمام المؤرخين في زمانه شهاب الدين عبد الرحمن بن إسماعيل الملقب بأبي شامة في تاريخه: إنها ظهرت يوم الجمعة في خامس جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين وستمائة وإنها استمرت شهرا وأزيد منه، وذكر كتبا متواترة عن أهل المدينة في كيفية ظهورها شرق المدينة من ناحية وادي شظا تلقاء أحد، وأنها ملأت تلك الأودية، وأنه يخرج منها شرريا كل الحجاز، وذكر أن المدينة زلزلت بسببها، وأنهم سمعوا أصواتا مزعجة قبل ظهورها بخمسة أيام أول ذلك مستهل الشهر يوم الاثنين، فلم تزل ليلا ونهارا حتى ظهرت يوم الجمعة فانبجست تلك الأرض عند وادي شظا عن نار عظيمة جدا صارت مثل طوله أربعة فراسخ في عرض أربعة أميال وعمقه قامة ونصف يسيل الصخر حتى يبقى مثل الآنك ثم يصير كالفحم الأسود، وذكر أن ضوءها يمتد إلى تيماء بحيث كتب الناس على ضوئها في الليل وكأن في بيت كل منهم مصباحا، ورأى الناس سناها من مكة شرفها الله! قلت: وأما بصرى فأخبرني قاضي القضاة صدر الدين علي بن أبي قاسم التيمي الحنفي قال: أخبرني والدي وهو الشيخ صفي الدين أحد مدرسي بصرى أنه أخبره غير واحد من الأعراب صبيحة تلك الليلة من كان بحاضرة بلد بصرى أنهم رأوا صفحات أعناق إبلهم في ضوء هذه النار التي ظهرت من أرض الحجاز، وقد ذكر الشيخ شهاب الدين أن أهل المدينة لجؤوا في هذه الأيام إلى المسجد النبوي وتابوا إلى الله من ذنوب كانوا عليها، واستغفروا عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم مما سلف منهم، وأعتقوا الغلمان وتصدقوا على فقرائهم ومجاريحهم، وقد قال قائلهم في ذلك:
يا كاشف الضر صفحا عن جرائمنا ... فقد أحاط بنا يا رب بأساء
نشكو إليك خطوبا لا نطيق لها ... حملا ونحن بها حقا أحقاء
زلازل تخشع الصم الصلاد بها ... وكيف تقوى على الزلزال صماء
أقام سبعا يرج الأرض فانصدعت ... عن منظر منه عين الشمس عشواء
بحر من النار تجري فوقه سفن ... من الهضاب لها في الأرض إرساء
يرى لها شرر كالقصر طائشة ... كأنها ديمة تنصب هطلاء
تشنق منها قلوب الصخر إن زفرت ... رعبا وترعد مثل الشهب أضواء
منها تكاثف في الجو الدخان إلى ... أن عادت الشمس منها وهي دهماء
قد أثرت سعفة في البدر لفحتها ... فليلة التم بعد النور ليلاء
فيا لها آية من معجزات رسو ... ل الله يعقلها القوم الألباء
وقد كان الصحابة والسلف الكرام يصدقون الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع ما أخبر به إذا ثبت عنه ولا يحكمون عقولهم ولا أفهامهم، فقد صدَّق أبو بكر حادثة الإسراء ولم يتردد فيها. فقد روى الحاكم عن عائشة قالت: لما أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الأقصى أصبح يتحدث الناس بذلك، فارتد ناس ممن كانوا آمنوا به وصدقوه، وسعوا بذلك إلى أبي بكر رضي الله عنه فقالوا: هل لك إلى صاحبك يزعم أنه أسري به الليلة إلى بيت المقدس! قال: أو قال ذلك؟ قالوا: نعم. قال: لئن قال ذلك لقد صدق. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ووافقه الذهبي.
وأما الرواة الذين نقلوا الأحاديث فإن المحدثين لم يقبلوا رواية كل أحد؛ بل تحروا في الرواة ولم يقبلوا إلا رواية العدول الضابطين بالسند المتصل. وراجع الفتاوى التالية أرقامها: ٧٠٩٧، ٣٨١١٣، ٥٧٣٤٤، ٧٠٦٥٧، ٢٠١٣٨، ٦٤٧٥٤، ٥٦٢٥١، ٢٠٩٨٤.
تنبيه: الحديث المتقدم لم ينفرد به البخاري، فقد أخرجه مسلم أيضا.
والله أعلم.
تَارِيخُ الْفَتْوَى
٢١ رمضان ١٤٢٨