تفسير قوله تعالى (يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة..)
السُّؤَالُ
ـقال الله تعالى في سورة المائدة: يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون.
كيف نتخذ إلى الله الوسيله، ولماذا ربطها الله بالجهاد؟ـ
الفَتْوَى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال عزوجل في كتابه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {المائدة:٣٥}
وقد بين المفسرون معنى هذه الآية أتم بيان، ومن ذلك ما قاله الشيخ ابن سعدي -رحمه الله- حيث قال:
هذا أمر من الله لعباده المؤمنين، بما يقتضيه الإيمان من تقوى الله والحذر من سخطه وغضبه، وذلك بأن يجتهد العبد، ويبذل غاية ما يمكنه من المقدور في اجتناب ما يَسخطه الله، من معاصي القلب واللسان والجوارح، الظاهرة والباطنة. ويستعين بالله على تركها، لينجو بذلك من سخط الله وعذابه. {وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} أي: القرب منه، والحظوة لديه، والحب له، وذلك بأداء فرائضه القلبية، كالحب له وفيه، والخوف والرجاء، والإنابة والتوكل. والبدنية: كالزكاة والحج. والمركبة من ذلك كالصلاة ونحوها، من أنواع القراءة والذكر، ومن أنواع الإحسان إلى الخلق بالمال والعلم والجاه، والبدن، والنصح لعباد الله، فكل هذه الأعمال تقرب إلى الله. ولا يزال العبد يتقرب بها إلى الله حتى يحبه الله، فإذا أحبه كان سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ويستجيب الله له الدعاء. انتهى من تيسير الكريم الرحمن تفسير كلام المنان.
وما ذكره ابن سعدي فيما سبق في معنى الوسيلة هو المروي عن أئمة التفسير من السلف ومن بعدهم بغير خلاف كابن عباس ومجاهد وعطاء وأبو وائل، والحسن، وقتادة، وعبد الله بن كثير، والسدي، وابن زيد، وقد ذكر ابن كثير هذا المعنى عمن سبق ذكرهم ثم قال: وقال قتادة: أي تقربوا إليه بطاعته والعمل بما يرضيه. وهذا الذي قاله هؤلاء الأئمة لا خلاف بين المفسرين فيه.
والوسيلة: هي التي يتوصل بها إلى تحصيل المقصود، والوسيلة أيضًا: علم على أعلى منزلة في الجنة، وهي منزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وداره في الجنة، وهي أقرب أمكنة الجنة إلى العرش. انتهى من تفسير ابن كثير.
وأما لماذا ذكر الله الجهاد عقب الأمر باتخاذ الوسيلة فقد ذكر غير واحد من المفسرين حكمته.
فقال الشيخ ابن سعدي رحمه الله: ثم خص تبارك وتعالى من العبادات المقربة إليه، الجهاد في سبيله، وهو: بذل الجهد في قتال الكافرين بالمال، والنفس، والرأي، واللسان، والسعي في نصر دين الله بكل ما يقدر عليه العبد؛ لأن هذا النوع من أجل الطاعات وأفضل القربات. ولأن من قام به، فهو على القيام بغيره أحرى وأولى، {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} إذا اتقيتم الله بترك المعاصي، وابتغيتم الوسيلة إلى الله، بفعل الطاعات، وجاهدتم في سبيله ابتغاء مرضاته. والفلاح هو الفوز والظفر بكل مطلوب مرغوب، والنجاة من كل مرهوب، فحقيقته السعادة الأبدية والنعيم المقيم. انتهى
وقد ذكرنا في الفتوى رقم: ١٦٦٩٠، التوسل المشروع، والتوسل الممنوع، فلتراجعها للفائدة.
والله أعلم.
تَارِيخُ الْفَتْوَى
٢٨ ربيع الأول ١٤٣٠