إبليس على علم بالصراط المستقيم
السُّؤَالُ
ـكيف عرف الشيطان أن هناك صراطا مستقيما وأن أكثر الناس من الجاحدين لنعم الله وذلك قبل أن يأمره الله بالسجود لآدم (الأعراف) ، حسب التسلسل القرآني؟ـ
الفَتْوَى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالآيات كما في سورة الأعراف هي قوله تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلَاّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ* قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَاّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ* قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ* قَالَ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ* قَالَ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ* قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ* ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ {الأعراف} إلى آخر الآيات.
وفي هذه الآيات أنه سبحانه لما خلق آدم أمر إبليس بالسجود له مع الملائكة فأبى فأخرجه الله من الجنة وطرده عن الرحمة فسأله أن ينظره ويمهله حتى يكون من آخر من يموت ويسلطه على عباده فيغويهم ويقعد لهم صراطه المستقيم فيضلهم عنه، وقد كان إبليس من علماء الملائكة ويعلم أن لله صراطاً مستقيماً من سلكه رشد ومن زاغ عنه هلك، وكان هو ممن زاغ عنه لتكبره، وأما قوله: وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ. فإنه ظن منه وتوهم وقد وافق في هذا الواقع، ذكر ذلك ابن كثير عن ابن عباس رضي الله عنهما، ودليل ذلك قوله تعالى: وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ {سبأ:٢} .
قال ابن كثير: لما است وثق إبليس من ربه بإمهاله وإنظاره أخذ في المعاندة والتمرد فقال: فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ. أي كما أهلكتني وأضللتني لأقعدن لعبادك الذين تخلقهم من ذرية هذا الذي أبعدتني بسببه على (صراطك المستقيم) أي طريق الحق وسبيل النجاة.
وكان ذلك كله بعدما أمره بالسجود لآدم وأبى وقد تعدد ذكر قصة آدم وإبليس في كثير من السور وبأساليب مختلفه وليس فيها تقديم ذكر الإغواء على الأمر بالسجود، مع التنبيه إلى أنه لا ينبغي للمسلم أن يبحث عن متشابه القرآن، قال الله تعالى: فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَاّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَاّ أُوْلُواْ الألْبَابِ {آل عمران:٧} .
وللاستزادة نرجو مراجعة كتب التفسير عند تلك الآيات مثل تفسير الطبري وابن كثير والقرطبي وغيرهما.
والله أعلم.
تَارِيخُ الْفَتْوَى
٠٨ شعبان ١٤٢٦