تفسير (وإنه لحب الخير لشديد)
السُّؤَالُ
ـيقول سبحانه وتعالى في كتابه الحكيم: وإنه لحب الخير لشديد، هل الخير معناه الحياة، ولماذا سميت بذلك؟ـ
الفَتْوَى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمعنى الخير في قوله تعالى: وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ {العاديات:٨} ، هو المال، قال ابن حجر في فتح الباري: وقد أخبر الله عن الإنسان (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) والخير هنا المال اتفاقا.
وذكر ابن عبد البر في موضع من التمهيد هذا المعنى ونسبه إلى المفسرين عامة، وقال في موضع آخر منه: قول الله عز وجل: (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين) والخير ههنا المال، لا خلاف بين أهل العلم في ذلك، ومثل قوله عز وجل (إن ترك خيرا) قوله (وإنه لحب الخير لشديد) وقوله (إني أحببت حب الخير) وقوله (فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيراً) الخير في هذه الآيات كلها المال.
ويستفاد من كلام العلماء في سبب تسمية المال خيراً، عدة أمور منها:
١- أن المال في الأصل خير للناس، قال الحكيم الترمذي في نوادر الأصول: المال في الأصل قوام العباد في أمر دينهم، به يصلون ويصومون ويزكون ويتصدقون، فالأبدان لا تقوم إلا بهذا المال، وأعمال الأركان لا تقوم إلا بهذا المال، منه يطعم ومنه يشرب ومنه يكتسى ومنه يسكن من الحر والبرد وبه يتوقى الأذى والمشقة ويدفع الشدائد من الأموال ... فهذا المال على ما وصفنا حقيق أن يسمى خيراً لأن الخيرات به تقوم. وهذا المعنى لا يتنافى مع كون بعض الناس قد يستعمل المال في الشر، قال العيني في عمدة القاري: هذا الخير قد يعرض له ما يجعله شراً إذا أسرف فيه ومنع من حقه.
٢- وروى الطبري عن ابن زيد أن الله تعالى سمى المال خيراً لأن الناس يعدونه كذلك، قال: وعسى أن يكون حراماً، ولكن الناس يعدونه خيراً، فسماه الله خيراً، لأن الناس يسمونه خيراً في الدنيا، وعسى أن يكون خبيثاً، وسمى القتال في سبيل الله سوءاً، وقرأ قول الله: فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ. قال: لم يمسسهم قتال، قال: وليس هو عند الله بسوء، ولكن يسمونه سوءاً. ونقل هذا القول أيضاً العيني في عمدة القاري، والقرطبي في تفسيره.
٣- وورد عن علي رضي الله عنه أن المال لا يسمى خيراً إلا إذا كان كثيراً، وورد ذلك أيضاً عن بعض التابعين، روى ذلك الطبري في تفسيره، ورجح أن اسم الخير يعم القليل والكثير من المال.
والله أعلم.
تَارِيخُ الْفَتْوَى
٢٥ جمادي الأولى ١٤٢٦