معنى قوله عز وجل (إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء..)
السُّؤَالُ
ـكلما أقرأ هذه الآية أجد في نفسي حرجا حين قال سيدنا موسى: إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء // رجاء إزالة هذا الإشكال الذي أشكل علي؟ـ
الفَتْوَى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن المقطع الذي ذكره السائل الكريم واستشكل معناه وهو قول الله تعالى حكاية عن نبيه موسى عليه السلام، حيث يقول: إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ الأعراف:١٥٥ . فهذا المقطع جزء من الآية (١٥٥) من سورة الأعراف.
قال العلماء: وأصل الفتنة الاختبار والابتلاء والامتحان، ثم استعملت فيما أخرجه الاختبار من المكروه، ثم استعملت في المكروه: فتارة تستعمل في الكفر، وتارة تستعمل في الإثم، وتارة تستعمل في الإحراق، وتارة تستعمل في الإزالة عن الشيء.. والمراد بها في هذا الموضع: الاختبار؛ على بابها الأصلي. انتهى ملخصًا من الفتح.
وقال القرطبي: إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ أي ما هذا إلا اختبارك وامتحانك.
وأضاف الفتنة إلى الله عز وجل، ولم يضفها إلى نفسه، كما قال إبراهيم وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ الشعراء:٨٠ . فأضاف المرض إلى نفسه، والشفاء إلى الله تعالى، وقال يوشع: وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ الكهف:٦٣ . لأن موسى عليه السلام استفاد ذلك من قوله تعالى: قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ طه: ٨٥ . فلما رجع إلى قومه ورأى العجل منصوبًا للعبادة وله خوار قال: إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ الأعراف:١٥٥ .
وقوله: تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ فيه إثبات القدر، وأن الله تعالى بيده الأمر كله، يضل من يشاء ويهدي من يشاء، وهذا ما نطق به القرآن الكريم في مواضع كثيرة كقوله تعالى: فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ الأنعام:١٢٥ . وقول: أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ فاطر:٨ .
وانظر الفتوى رقم:
٩١٩٣ - والفتوى رقم:
٨٦٥٣ - والفتوى رقم: ٧٠٠٢.
وننصحك بمراجعة الفهرس الموضوعي والوقوف على الفتاوى المتعلقة بالإيمان بالقدر ضمن: العقيدة، أركان الإيمان، الإيمان بالقدر.
والله أعلم.
تَارِيخُ الْفَتْوَى
١٦ صفر ١٤٢٠