مسألة حول الحديث الشاذ
السُّؤَالُ
ـشكرا لإجابتكم علي ما سألتكم، وجوابكم مذكور تحت رقم:٢١٩٣٧٠٤
سؤالي الآن: هل من الشذوذ أن يخالف الحديث أمرا معلوما من الدين ضرورة؟ في أي كتاب أجد هذا التعريف؟ ولا أستطيع حتى الآن بأن أعرف موضع الشذوذ في الحديث. علما ولهذا الأثر سند آخر: شعبة عن عمرو بن مرة عن ابن عباس.. وهذا السند صحيح. فما رأيكم الآن في هذا الأثر؟. أفيدوني بالإجابة.ـ
الفَتْوَى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد جاء في بحث (غاية الفرح في تيسير المصطلح) تعريف الحديث الشاذ بأنه: ما رواه الثقة مخالفاً لمن هو أوثق منه، إما بكمال العدالة أو تمام الضبط أو كثرة العدد أو ملازمة المروي عنه أو نحو ذلك، والشذوذ قد يكون في الحديث الواحد وقد يكون في حديثين منفصلين، وهذا يعني أنه لا يشترط في الشذوذ أن الرواة قد اختلفوا في حديث واحد، بل قد يكون الشذوذ أتى من حديث آخر، ومن الشذوذ أيضاً أن يخالف الحديث المعلوم من الدين بالضرورة انتهى.
وقال د/ عبد الرحمن الزيد في بحث (مناهج القدماء في التعامل مع السنة تصحيحاً وتضعيفا) : المتأمل لكلام المتقدمين يجد أنهم أطلقوا الشذوذ والنكارة على بعض ما انفرد به الثقات بدون مخالفة، ولذلك قال ابن الصلاح: وإطلاق الحكم على التفرد بالرد أو النكارة أو الشذوذ موجود في كلام كثير من أهل الحديث. أقول:. . ومن هذا الباب ما يقولون عنه: إسناده صحيح وهو شاذ. يعني للتفرد، كما في حديث أخرجه الحاكم والبيهقي من طريق شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي الضحى عن ابن عباس.. اهـ. فذكر هذا الأثر كمثال على ما حكم عليه بالشذوذ مما ظاهر إسناده الصحة، فتأمل. ولذلك لما نقل السيوطي في (الحاوي) حكم البيهقي على الإسناد بالصحة، وقوله: إنه شاذ بمرة، لا أعلم لأبي الضحى عليه متابعا اهـ. قال بعدها: وهذا الكلام من البيهقي في غاية الحسن، فإنه لا يلزم من صحة الإسناد صحة المتن كما تقرر في علوم الحديث، لاحتمال أن يصح الإسناد ويكون في المتن شذوذ أو علة تمنع صحته، وإذا تبين ضعف الحديث أغنى ذلك عن تأويله لأن مثل هذا المقام لا تقبل فيه الأحاديث الضعيفة. انتهى.
وكلام السيوطي هذا نقله ابن حجر الهيتمي في (الفتاوى الحديثية) وذكر الرملي معناه في فتاويه. وكذلك فعل ابن عليش في (فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك) فقال: ولا يلزم من صحة الإسناد صحة المتن كما هو معروف عند المحدثين، فقد يصح الإسناد ويكون في المتن شذوذ وعلة تقدح في صحته. انتهى.
والحاصل أنه مما يعلل به الآثار التي ظاهر أسانيدها الصحة، أن يكون المتن مخالفا لما هو مقطوع به، ولا سيما مع التفرد، فقد اشترط أهل العلم للصحة عدم الشذوذ وعدم العلة، سندا ومتنا.
وهذا الأثر المسؤول عنه سابقا فيه دلالة ظاهرة على أمر مخالف لما هو معلوم ومستقر، فإننا نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال: سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو. رواه مسلم. وهذا لا يتفق مع ما في هذا الأثر من أن في كل أرض نبيا كنبينا صلى الله عليه وسلم، وإلا فمن منهم صاحب درجة الوسيلة؟! على أن الله تعالى قد قال في كتابه: تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا {الفرقان: ١}
وقال: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ {الأنبياء: ١٠٧} فكيف يكون نذيرا ورحمة للعالمين، وفي كل أرض نبي مثله؟!
وقد نبه جماعة من أهل العلم على أن الحديث الشاذ عند أبي عبد الله الحاكم وجماعة من أهل الحديث أنه حديث يتفرد به ثقة من الثقات، وليس للحديث أصل بمتابع لذلك الثقة، وينقدح في نفس الناقد أنه غلط ولا يقدر على إقامة الدليل على ذلك.
قال ابن حجر: وهو على هذا أدق من المعلل بكثير، فلا يتمكن من الحكم به إلا من مارس الفن غاية الممارسة وكان في الذروة العليا من الفهم الثاقب ورسوخ القدم في الصناعة ورزقه الله نهاية الملكة اهـ. ونقل السيوطي ذلك ثم قال: ولعسره لم يفرده أحد بالتصنيف ... انتهى
ثم ذكر أثر ابن عباس هذا وذكر نحو ذلك السخاوي وطاهر الجزائري في (توجيه النظر ١ / ٥١٤) .
ومما ينبغي مراعاته وأخذه بعين الاعتبار أن من حَكموا بالشذوذ أوالضعف لهذا الأثر ليسوا إلا أهل هذا الشأن الموثوقين والأئمة المتبعين، كالإمام أحمد والبيهقي وا بن كثير والذهبي والمعلمي اليماني، حتى قال أبو حيان الأندلسي: هذا حديث لا شك في وضعه. وقد سبق ذكر نصوص أقوالهم في الفتوى المشار إليها في السؤال.
كما سبق لنا أيضا في الفتوى رقم: ١٠٢٢٠٥ تعريف الحديث الشاذ، وبيان أن الشذوذ يكون في المتن وقد يكون في السند، وقد يكون في كليهما.
والله أعلم.
تَارِيخُ الْفَتْوَى
١٤ ربيع الأول ١٤٣٠