الاجتهاد وتمييز صحيح الحديث من سقيمه
السُّؤَالُ
ـألم يحن الوقت لأن يضع علماء المسلمين الموثوقين حدا لتوقف الاجتهاد، الاجتهاد جار على قدم وساق شئنا أم أبينا، أصبح لدينا رهبانية إسلامية تخرج مفتيين بالعشرات أو حتى بالمئات، أليس من المفروض أن نبدأ بتنظيف كتب الصحاح من الأحاديث المدسوسة، أليس زواج المتعة حديثا مدسوسا يخالف القرآن الكريم، فكيف لا زال هذا الحديث موجودا في الصحاح، ألم يحن الوقت لغربلة الصحاح من الأحاديث المدسوسة؟ـ
الفَتْوَى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الاجتهاد لم يتوقف، ولم يزل العلماء الذين لهم أهليته يجتهدون ويستنبطون الأحكام، وكنا قد بينا هذا من قبل فلك أن تراجع فيه فتوانا رقم: ٢٦٧٣.
ثم إن الحديث المتعلق بنكاح المتعة ليس من الأحاديث المدسوسة، وإنما هو مروي في الصحيحين وغيرها، ولكن العمل به قد نسخ، وقد بينا ذلك من قبل، فلك أن تراجع فيه فتوانا رقم: ٤٨٥.
واعلم أن أهل العلم قد غربلوا الحديث، وميزوا ما هو منه صحيح وما هو ضعيف، وقد تخصص في ذلك علماء كثيرون، وليس علم غربلة الحديث وتنقيحه وليد العصر الحديث، بل هو أهم ما كان يشتغل به طلبة العلم في سالف الزمن.
يصف أبو نعيم سعة علم زفر بالحديث يقول: كنت أعرض الحديث على زفر، فيقول هذا ناسخ وهذا منسوخ، وهذا يؤخذ به وهذا يُرفض. وبلغ من سعة علمه وتمكنه من فنون الحديث وقدرته على التمييز بين درجات الحديث من حيث الصحة والضعف أنه كان يقول للحافظ أبي نعيم: هات أحاديثك أغربلها لك غربلة. وهذا مثال بسيط لما كان عليه الناس.
ونعطيك نموذجاً من كيفية تدقيق أهل العلم في تصحيح الحديث. فصحيح البخاري مثلا، قد جمعه الإمام البخاري في ست عشرة سنة، وكان لا يثبت حديثا فيه مع توفر شروط الصحة فيه إلا اغتسل قبل ذلك وصلى ركعتين، واستغفر الله تعالى، وتيقن صحته، وقد قال رحمه الله: خرجته من نحو ستمائة ألف حديث.
ولم يستبق من هذا العدد إلا سبعة آلاف ومائتين وخمسة وسبعين حديثاً كما قال ابن الصلاح والنووي رحمهما الله، إلا أن ابن حجر تعقبهما، وتتبع البخاري بابا بابا وحديثا حديثا فألفاه بالمكرر سوى المعلقات والمتابعات سبعة آلاف وثلاثمائة وسبعة وتسعين حديثا، والخالص من ذلك بلا تكرار ألفان وستمائة وحديثان فقط، فنرجو أيها الأخ الكريم أن تراجع معلوماتك حول السنة، ونسأل الله أن يتقبل منك غيرتك للدين، وحرصك على تنقيحه.
والله أعلم.
تَارِيخُ الْفَتْوَى
١٧ رمضان ١٤٢٦