شرح وتوضيح: من سن في الإسلام سنة حسنة ...
السُّؤَالُ
ـقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها
من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء.
فقد قرأت شرح هذا الحديث للعلامة: العثيمين ـ رحمه الله ـ وسؤالي هو: استنادا إلى الشرح والقصة التي اعتمد عليها في التأويل بأن معنى كلمة سن في هذا الموضع هو: أحيا، فإن الحديث يصبح كالآتي: من أحيا في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن أحيا في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء.
والشق الثاني من الحديث وقع فيه الإشكال فيما يلي:
١- كلمة ـ سن ـ في الشق الثاني سوف تتبع في تأويلها الكلمة نفسها في الشق الأول، لأنهما مترادفتان وجاءتا في سياق واحد في حديث واحد.
٢- وبذلك تصبح الدلالة أنه كان في الاسلام سنن سيئة وماتت ومن أحياها فعليه وزرها، إلى آخره، وهذا غير مقبول، لأن الاسلام لم يأت بأي سنة سيئة من أصله، وبذلك فإن المعنى في الشق الثاني لا يتم بنفس التأويل كما أنه لا يصح تأويل هذه الكلمة بشكل مختلف كما ذكرت وبذلك، فإن تفسير كلمة سن في الشق الأول بمعنى أحيا لا يصح، وإذا ذهبنا الى معناها المباشر، فإن سن تصبح أحدث أو أوجد وهذا التأويل لا مشكلة شرعية فيه، لأننا نفهم من الحديث بأن السنة السيئة في الشق الثاني المقصود بها البدعة وهي: من أحدث شيئا لا أصل له في الدين وهو ليس منه، وهذا يصح شرعا، لأن الدين أتى بالخير والهدى ولم يأتي بأي شر، أما الشق الأول فيصبح: من أوجد في الاسلام سنة حسنة إلى آخره، وهذا لا إشكال شرعي فيه، لأن أبواب الخير لا حصر لها إطلاقا، ووسائل الخير لا حصر لها أيضا، فمن الطبيعي مع مرور الأزمان أن تتعدد وسائل الخير والمناهج الحسنة وهنا يتم المعنى تماما ويصبح إيجاد الضوابط هو مسؤولية العلماء وذوي الاختصاص كي لا تحدث فوضى أو شطط.ـ
الفَتْوَى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد جاء في لسان العرب: وكل من ابتدأَ أَمراً عمل به قوم بعده قيل: هو الذي سَنَّه.
وعلى ذلك فالسنة الحسنة هي: أن يبتدئ الإنسان فعل طاعة فيقتدي به غيره ويتابعه على ذلك.
وأما السنة السيئة فهي: أن يبتدئ الإنسان فعل معصية فيقتدي به غيره ويتابعه على ذلك، ومن السنة الحسنة أن يبدأ الإنسان فعل شيء لم يسبق إليه مستنداً في ذلك إلى دليل شرعي، ومنها أن تكون هناك سنة مهجورة تركها الناس، ثم فعلها شخص فأحياها، فهذا يقال عنه سنها، بمعنى أحياها، وإن كان لم يشرعها من عنده، ومنها كذلك: فعل الشخص شيئاً وسيلة لأمر مشروع، فهذا لا يتعبد بذاته، ولكن لأنه وسيلة لغيره.
وأما من ابتدأ فعل شيء ولم يستند فيه إلى دليل شرعي معتبر، فهو مبتدع، وانظر الفتوى رقم: ٣٢٨٩٧.
وبمراجعة كلام فضيلة الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ لم نجد ما يخالف ذلك، فالشيخ ـ رحمه الله ـ لم يفسر كلمة: سن ـ بمعنى: أحيا عموما، وإنما فسرها أولا بمثل ما ذكرناه من ابتداء العمل، ثم ذكر الإحياء كمثال من أمثلة سن السنة الحسنة.
قال فضيلته في شرحه على رياض الصالحين: والمراد بالسنة في قوله صلى الله عليه وسلم: من سن في الإسلام سنة حسنة ... ابتدأ العمل بسنة، وليس من أحدث، لأن من أحدث في الإسلام ما ليس منه فهو رد وليس بحسن، لكن المراد بمن سنها أي صار أول من عمل بها، كهذا الرجل الذي جاء بالصدقة ـ رضي الله عنه ـ فدل هذا على أن الإنسان إذا وفق لسن سنة حسنة في الإسلام ـ سواء بادر إليها أو أحياها بعد أن أميتت ـ وذلك لأن السنة في الإسلام ثلاثة أقسام:
سنة سيئة: وهي البدعة فهي سيئة وإن استحسنها من سنها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: كل بدعة ضلالة.
وسنة حسنة: وهي على نوعين:
النوع الأول: أن تكون السنة مشروعة ثم يترك العمل بها ثم يجددها من يجددها مثل قيام رمضان بإمام، فإن النبي صلى الله عليه وسلم شرع لأمته في أول الأمر الصلاة بإمام في قيام رمضان ثم تخلف خشية أن تفرض على الأمة ثم ترك الأمر في آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم وفي عهد أبي بكر رضي الله عنه وفي أول خلافة عمر، ثم رأى عمر ـ رضي الله عنه ـ أن يجمع الناس على إمام واحد ففعل فهو رضي الله عنه قد سن في الإسلام سنة حسنة، لأنه أحيا سنة كانت قد تركت.
والنوع الثاني من السنن الحسنة: أن يكون الإنسان أول ما يبادر إليها مثل حال الرجل الذي بادر بالصدقة حتى تتابع الناس ووافقوه على ما فعل.
فالحاصل أن من سن في الإسلام سنة حسنة ـ ولا سنة حسنة إلا ما جاء به الشرع ـ فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده. اهـ.
ومن ذلك يتضح أن كلمة ـ سن: تعنى ابتداء العمل بشيء لم يسبق إليه ـ سواء كان شيئا مرضيا أم لا ـ ولا يتعين تفسير ذلك بالإحياء، ومن ثم لا يرد الإشكال المذكور في السؤال.
أما القول بأن كلمة ـ سن ـ تعني: أوجد وأحدث، فإنه يؤدي إلى التباس السنة بالبدعة، وإيهام تضارب الأحاديث النبوية، فإن النبي عليه الصلاة والسلام قال: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد. متفق عليه.
وقال: فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. رواه أبو داود وغيره وصححه الألباني.
وإنما المعنى الصواب والدقيق هو ما قدمناه.
والله أعلم.
تَارِيخُ الْفَتْوَى
٠٣ رمضان ١٤٣٠