رؤية الله تعالى لا تعني الإحاطة به
السُّؤَالُ
ـلقد وعدنا رسولنا صلى الله عليه وسلم بأننا سوف نرى ربنا يوم القيامة، فهل سوف نرى وجهه فقط؟ أم أننا سوف نرى يديه ورجليه واستواءه على عرشه سبحانه وتعالى؟.
جزاكم الله خيراً، وبارك الله فيكم.ـ
الفَتْوَى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فرؤية الله تعالى ثابتة بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، كما سبق تفصيله في الفتوى رقم: ٢٤٢٦. وقد جاءت النصوص في ذلك مطلقة دون تقييد بالوجه، كقوله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ *إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ {القيامة:٢٢-٢٣} . وقول النبي صلى الله عليه وسلم: إنكم سترون ربكم عيانا. متفق عليه. واللفظ للبخاري. وقوله صلى الله عليه وسلم: إذا دخل أهل الجنة الجنة قال: يقول الله تبارك وتعالى: تريدون شيئا أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار؟ قال: فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل. رواه مسلم.
فينبغي أن تبقى دلالة هذه النصوص على إطلاقها كما يليق بجلال الله تعالى من غير تكييف، مع التنبه إلى أن الإحاطة والإدراك منفيان عن الله تعالى، كما قال عز وجل: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَار ُ {الأنعام:١٠٣} . وقال: وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا {طه:١١٠} .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: نفى الإدراك الذي هو الإحاطة كما قاله أكثر العلماء، ولم ينف مجرد الرؤية، لأن المعدوم لا يرى وليس في كونه لا يرى مدح، إذ لو كان كذلك لكان المعدوم ممدوحا، وإنما المدح في كونه لا يحاط به ـ وإن رئي ـ كما أنه لا يحاط به ـ وإن علم ـ فكما أنه إذا علم لا يحاط به علما، فكذلك إذا رئي لا يحاط به رؤية، فكان في نفي الإدراك من إثبات عظمته ما يكون مدحا وصفة كمال، وكان ذلك دليلا على إثبات الرؤية لا على نفيها، لكنه دليل على إثبات الرؤية مع عدم الإحاطة وهذا هو الحق الذي اتفق عليه سلف الأمة وأئمتها. انتهى.
وقال ابن حجر: نفي الإدراك لا يستلزم نفي الرؤية لإمكان رؤية الشيء من غير إحاطة بحقيقته. انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين: رؤيتنا لله عز وجل لا تقتضي الإحاطة به، لأن الله تعالى يقول: ولا يحيطون به علما. فإذا كنا لا يمكن أن نحيط بالله علما، والإحاطة العلمية أوسع وأشمل من الإحاطة البصرية، دل ذلك على أنه لا يمكن أن نحيط به إحاطة بصرية، ويدل لذلك قوله تعالى: لا تدركه الأبصار. وهو يدرك الأبصار، فالأبصار ـ وإن رأته ـ لا يمكن أن تدركه، فالله عز وجل أعظم من أن يحاط به، وهذا الذي ذهب إليه السلف. انتهى.
والله أعلم.
تَارِيخُ الْفَتْوَى
٢١ ذو القعدة ١٤٣٠