شرح حديث (..وقني شر ما قضيت..)
السُّؤَالُ
ـيقول الإمام فى دعاء القنوت فى صلاة الفجر: اللهم قني واصرف عني شر ما قضيت. فهل هذا الدعاء صحيح؟ وهل يقضي الله سبحانه وتعالى بالشر؟ـ
الفَتْوَى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا الدعاء صحيح، وهو جزء من حديث القنوت في الوتر، قال الحسن بن علي رضي الله عنهما: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في الوتر: اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت فإنك تقضي ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت تباركت ربنا وتعاليت. رواه أصحاب السنن وأحمد وصححه الألباني.
وأما هل يقضي الله بالشر؟ فالجواب يتضح في بيان معنى قوله: وقني شر ما قضيت. فقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
ما قَضَاهُ الله عزّ وجل قد يكون خيراً، وقد يكون شرًّا، فما كان يُلائمُ الإنسانَ وفِطرتَه فإن ذلك خير، وما كان لا يُلائِمه فذلك شرٌّ، فالصِّحَّةُ والقوةُ والعِلْمُ والمالُ والولدُ الصَّالحُ وما أشبه ذلك خير، والمَرَضُ والجهل والضَّعف والولد الطالحُ وما أشبه ذلك شرٌّ؛ لأنه لا يُلائم الإنسانَ.
وقوله: ما قضيت، ما هنا بمعنى الذي، أي: الذي قضيتُه ... والمراد: قضاؤه الذي هو مقضيَّه؛ لأن قضاءَ الله الذي هو فِعْلُه كلُّه خير، وإنْ كان المقضيُّ شرًّا؛ لأنه لا يُراد إلا لحكمةٍ عظيمةٍ، فالمرضُ مثلاً قد لا يَعرفُ الإنسانُ قَدْرَ نِعمة الله عليه بالصِّحَّة إلا إذا مَرِضَ، وقد يُحْدِثُ له المرضُ توبةً ورجوعاً إلى الله، ومعرفةً لِقَدْرِ نفسِهِ، وأنه ضعيفٌ، ومُحتاجٌ إلى الله عزّ وجل، بخلاف ما لو بقيَ الإنسانُ صحيحاً معافى، فإنه قد ينسى قَدْرَ هذه النِّعمة، ويفتخرُ كما قال الله تعالى: وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ* وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ.
فإن قال قائلٌ: كيف نجمعُ بين قوله: قِني شرَ ما قضيت. وقوله صلّى الله عليه وسلّم: والشرُّ ليس إليكَ. فالجواب عن ذلك: أنَّ الشَّرَّ لا يُنسب إليه تعالى؛ لأن ما قضاه وإنْ كان شرًّا فهو خير، بخلاف غيره، فإن غيرَ الله رُبَّما يقضي بالشَّرِّ لشرٍّ محضٍ، فربما يعتدي إنسانٌ على مالكَ أو بدنكَ أو أهلكَ لقصد الشَّرِّ والإضرار بك، لا لقصدِ مصلحتِكَ، وحينئذٍ يكون فِعْلُهُ شرًّا محضاً. انتهى من الشرح الممتع على زاد المستقنع.
وقد سبق بيان أن أفعال الله سبحانه وتعالى كلها خير وحكمة وليس فيها شر بإطلاق، وإن كانت شراً على بعض الخلق بسبب كسبهم واختيارهم، وذلك في الفتوى رقم: ٢٨٥٥ فراجعها.
والله أعلم.
تَارِيخُ الْفَتْوَى
١٤ جمادي الأولى ١٤٣٠