الجمع بين حديث (إنما الأعمال بالنيات..) وحديث (إن الله تجاوز..)
السُّؤَالُ
ـكيف يمكن الجمع بين حديث إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل إمريء ما نوي وبين الحديث إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به نفسها ما لم تتكلم به أو تعمل.
شاكر لكم وجزاكم الله خيرا.ـ
الفَتْوَى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالجمع بين الحديثين واضح، ذلك أن حديث: إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، هو تركيب يفيد الحصر ومعناه كل عمل بنية، فلا عمل إلا بنية.
والنية هي القصد، أي عزيمة القلب أو انبعاث القلب نحو ما يريده العبد من جلب نفع أو دفع مضرة. يقول القرطبي: قوله صلى الله عليه وسلم: إنما لكل امرئ ما نوى فيه تحقيق لاشتراط النية، والإخلاص في الأعمال" ...
وأما قوله عليه الصلاة والسلام: "إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم" فقد ذكر كثير من أهل العلم أنه محمول على ما لم يستقر في القلب.
قال الإمام النووي في كتابه الأذكار: فأما الخواطر وحديث النفس إذا لم يستقر ويستمر عليه صاحبه فمعفو عنه باتفاق العلماء، لأنه لا اختيار له في وقوعه، ولا طريق له إلى الانفكاك عنه.
مع أن قوله صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم فإنه ليس على إطلاقه، فقد قال الإمام المازري رحمه الله: مذهب القاضي أبي بكر بن الطيب: أن من عزم على المعصية ووطن نفسه عليها أثم في اعتقاده وعزمه، ويحمل ما وقع من ذلك في هذه الأحاديث وأمثالها على أن ذلك فيمن لم يوطن نفسه على المعصية. وقال القاضي عياض رحمه الله تعالى: عامة السلف وأهل العلم من الفقهاء والمحدثين على ما ذهب إليه القاضي أبو بكر، للأحاديث الدالة على المؤاخذة بأعمال القلوب.
والله أعلم.
تَارِيخُ الْفَتْوَى
٠٥ محرم ١٤٢٨