شرح حديث (إنما بقاؤكم فيما سلف..)
السُّؤَالُ
ـقرأت هذا المقال وأريد أن أعرف الحكم الشرعي فيه لظني أن به علة خفية
والله أعلم:
حدثنا الحكم بن نافع: أخبرنا شعيب، عن الزهري: أخبرني سالم بن عبد الله: أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قائم على المنبر يقول: (إنما بقاؤكم فيما سلف قبلكم من الأمم، كما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس، أعطي أهل التوراة التوراة، فعملوا بها حتى انتصف النهار ثم عجزوا، فأعطوا قيراطاً قيراطاً! ، ثم أعطي أهل الإنجيل الإنجيل، فعملوا به حتى صلاة العصر ثم عجزوا، فأعطوا قيراطاً قيراطاً، ثم أعطيتم القرآن، فعملتم به حتى غروب الشمس، فأعطيتم قيراطين قيراطين. قال أهل التوراة: ربنا هؤلاء أقلُّ عملاً وأكثر أجراً؟ قال: هل ظلمتكم من أجركم من شيء؟ قالوا: لا، فقال: فذلك فضلي أوتيه من أشاء) . صحيح البخاري.
يعني أن عمر اليهود (من الفجر حتى منتصف النهار) = عمر النصارى (من منتصف النهار حتى صلاة العصر) + عمر المسلمين (من منتصف النهار حتى آخر النهار.
إتفق المؤرخون بأن عمر اليهود ٢٠٠٠ - ٢١٠٠ سنة.
وعمر النصارى (٦٠٠ سنة) يؤخذ من الحديث:
٣٧٣٢ - حدثني الحسن بن مدرك: حدثنا ي! حيى بن حماد: أخبرنا أبو عوانة، عن عاصم الأحول، عن أبي عثمان، عن سلمان قال: فترة بين عيسى ومحمد صلى الله عليهما وسلم ستمائة سنة. صحيح البخاري، الإصدار ١.٠٨
رياضيا فإن عمر أمة الإسلام = عمر اليهود (٢٠٠٠ أو ٢١٠٠) - عمر النصارى (٦٠٠) = (١٤٠٠ أو ١٥٠٠)
إذا عمر أمة الإسلام يتراوح من ١٤٠٠ سنة إلى ١٥٠٠ كحد أقصى.
قضي من عمر أمة الإسلام حتى الآن: نحن في سنة ١٤٢٢ هجرية + ١٣ سنة (قبل بداية التاريخ الهجري وهي مابين بعثة النبي صلى الله عليه وسلم وهجرته) = ١٤٣٥ سنة
إذا عمر أمة الإسلام أدنى حد ١٤٠٠ وأعلى حد ١٥٠٠ سنة قضي منها ١٤٣٥ سنة....
إذا نستنتج من هذا إن موعد الريح القادمة من اليمن التي ستقتل كل مسلم في آخر الزمن هو يحتمل أن يكون اليوم أو بعد ٦٥ سنة كحد أقصى. (٦٥= ١٥٠٠- ١٤٣٥)
نحن نعلم يقينا بأنها لن تحدث اليوم لما نعرفه يقينا من علامات تأتي قبلها.
هل هذه الحسابات صحيحة في هذا المقام؟؟
وإن كانت صحيحه فلماذا لم يتنبه لها كبار علماء الإسلام أمثال ابن تيميه وابن القيم؟؟
وجزاكم الله كل الخير وبارك فيكم.ـ
الفَتْوَى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث الذي استند إليه كاتب هذا المقال صحيح ولكنه لم يرد في المعرض الذي أورده فيه هو، فقد ذكر أهل العلم أن المراد منه كثرة العمل وقلته، وليس طول الزمان وقصره، قال ابن حجر في فتح الباري: ومما يؤيد كون المراد كثرة العمل وقلته لا بالنسبة إلى طول الزمان وقصره كون أهل الأخبار متفقين على أن المدة التي بين عيسى ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم دون المدة التي بين نبينا صلى الله عليه وسلم وقيام الساعة، لأن جمهور أهل المعرفة بالأخبار قالوا إن مدة الفترة بين عيسى ونبينا صلى الله عليه وسلم ستمائة سنة، وثبت ذلك في صحيح البخاري عن سلمان، وقيل إنها دون ذلك حتى جاء عن بعضهم أنها مائة وخمس وعشرون سنة، وهذه مدة المسلمين بالمشاهدة أكثر من ذلك، فلو تمسكنا بأن المراد التمثيل بطول الزمانين وقصرهما للزم أن يكون وقت العصر أطول من وقت الظهر ولا قائل به، فدل على أن المراد كثرة العمل وقلته.
ثم إنه لا شك في أن الريح الباردة التي تأتي من قبل الشام (وليس من قبل اليمن) والتي لا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال ذرة من خير أو إيمان إلا قبضته، كما ورد في صحيح مسلم وغيره، قد قرب موعدها، وكذا جميع العلامات الكبرى للساعة، فإنها قريبة أيضاً لكن دون تحديد لزمنها، وقد ورد قرب الساعة في القرآن، وفي أحاديث كثيرة، لكن لا أحد يعرف متى يكون ذلك بالتحديد، قال تعالى: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ {القمر: ١} وقال: اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ {الأنبياء: ١} وقال: أَزِفَتِ الْآَزِفَةُ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ {النجم: ٥٧ ـ ٥٨}
وفي تفسير الطبري: أزفت الآزفة: يقول: دنت الدانية، وإنما يعني دنت القيامة، وقوله: ليس لها من دن الله كاشفة: يقول تعالى ذكره: ليس للآزفة التي قد أزفت وهي الساعة التي قد دنت من دون الله كاشف، يقول ليس تنكشف فتقوم إلا بإقامة الله إياها، وكشفها دون من سواه من خلقه، لأنه لم يطلع عليها ملكاً مقرباً ولا نبياً مرسلا.. وقال تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً {الأعراف: ١٨٧} وانظر الفتوى رقم: ٥٥٦٣، للمزيد من تفاصيل الموضوع، وعلى كل فإن هذه الحسابات التي ذكرت ليست صحيحة، ولا يجوز الاعتماد عليها في مثل هذا الموضوع.
والله أعلم.
تَارِيخُ الْفَتْوَى
٠٢ ذو الحجة ١٤٢٦