معنى حديث
السُّؤَالُ
ـما حكم النظر إلى النساء من غير المحارم، علماً بأني قد قرأت في أحد الكتب للإمام (ابن حجر) رحمه الله، ووالله لقد نسيته أن: النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى إحدى النساء وكان معه نفر من الصحابة فذهب ثم رجع ثم قال إذا نظر أحدكم إلى امرأة فليأت أهله ثم قال ابن حجر نمر على هذا الحديث كما أتى، هل يصح هذا الحديث؟ وجزاكم الله خيراً.ـ
الفَتْوَى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن تعمد النظر إلى النساء الأجنبيات حرام، لقول الله تعالى: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ {النور:٣٠} ، قال الحافظ ابن كثير: هذا أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين أن يغضوا من أبصارهم عما حرم عليهم، فلا ينظروا إلا إلى ما أباح لهم النظر إليه، وأن يغضوا أبصارهم عن المحارم. انتهى.
وعن أبي طلحة زيد بن سهل رضي الله تعالى عنه قال: كنا قعوداً بالأفنية نتحدث فيها، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام علينا، فقال: ما لكم والمجالس الصُعُدات؟ اجتنبوا مجالس الصعدات؟ فقلنا: إنما قعدنا لغير ما بأس، قعدنا نتذاكر ونتحدث، قال: إما لا، فأدوا حقها، غض البصر، ورد السلام، وحسن الكلام. رواه مسلم. والصُعُدات أي: الطرقات.
قال الحافظ ابن كثير: فإن اتفق أن وقع البصر على محرم من غير قصد، فليصرف بصره عنه سريعاً. انتهى.
وعن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجاءة؟ فأمرني أن أصرف بصري. رواه مسلم.
وقال الإمام القرطبي في تفسيره: والنظرة الأولى لا تُملك، فلا تدخل تحت خطاب تكليف، إذ وقوعها لا يتأتى أن يكون مقصوداً، فلا تكن مكتسبة، فلا يكلف بها. انتهى.
ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي: يا علي: لا تتبع النظرة النظرة، فإن لك الأولى وليست لك الآخرة. رواه الإمام أحمد والترمذي وغيرهما، وقال الترمذي: حديث حسن غريب، وحسنه الألباني.
وأما الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى امرأة، فأتى امرأته زينب وهي تمعس منيئة لها، فقضى حاجته ثم خرج إلى أصحابه، فقال: إن المرأة تُقْبل في صورة شيطان، وتدبر في صورة شيطان، فإذا أبصر أحدكم امرأة فليأت أهله، فإن ذلك يرد ما في نفسه. فهذا الحديث من باب نظر الفجأة، وهي النظرة الأولى، قال الإمام الحافظ المناوي في شرح هذا الحديث في فيض القدير: فإذا رأى أحدكم امرأة فأعجبته، أي استحسنها، لأن غاية رؤية المتعجب منه استحسانه، فليأت أهله، أي: فليجامع حليلته، فإن ذلك، أي جماعها، يرد ما في نفسه، أي: يعكسه ويغلبه ويقهره.... وأرشدهم إلى أن أحدهم إذا تحركت شهوته واقع حليلته تسكيناً لها، وجمعاً لقلبه، ودفعاً لوسوسة العين. وهذا من الطب النبوي، وهذا قاله لما رأى امرأة فأعجبته، فدخل على زينب رضي الله عنها، فقضى حاجته منها، وخرج فذكره.
قال ابن العربي: هذا حديث غريب المعنى، لأن ما جرى للمصطفى صلى الله عليه وسلم كان سراً لم يعلمه إلا الله تعالى، فأذاعه عن نفسه تسلية للخلق وتعليما، وقد كان آدمياً وذا شهوة، لكنه كان معصوماً عن الزلة، وما جرى في خاطره حين رأى المرأة أمر لا يؤاخذ به شرعاً ولا ينقص منزلته، وذلك الذي وجد نفسه من الإعجاب بالمرأة هي جبلة الآدمية ثم غلبها بالعصمة فانطفأت، وقضى من الزوجة حق الإعجاب والشهوة الآدمية بالاعتصام والعفة، قال ابن العربي: وفيه رد على الصوفية الذين يرون إماتة الهمة حتى تكون المرأة عند الرجل إذا نطح فيها كجدار يضرب فيه، والرهبانية ليست في هذا الدين. انتهى بتصرف يسير، وانظر الفتوى رقم: ٢٧٣٧٠، والفتوى رقم: ٣١٣٦٨.
والله أعلم. ...
تَارِيخُ الْفَتْوَى
٣٠ رجب ١٤٢٥