هل يقال عن الإسلام دين محمد وعن المسلمين المحمديين
السُّؤَالُ
ـيطلق أحد إخواننا المسلمين على الإسلام أنه دين محمد، وهو يدعم هذا القول بشدة لأنه بما أن النبى (صلى الله عليه وسلم) هو الذى أتى بالإسلام، فهو يرى أنه لا ضير من تسمية الإسلام بدين محمد، فهل يجوز أن نطلق على الإسلام أنه دين محمد، وعلى المسلمين أنهم المحمديون؟ـ
الْجَوَابُ
الحمد لله
أولا:
لا شك أن هذا الإسلام الذي ندين به، هو دين محمد صلى الله عليه وسلم، فقد بُعث به إلينا، وبلغه لنا، كما أمره ربه سبحانه، لكن ينبغي أن يُعلم أن الإسلام خاص وعام:
فالإسلام الخاص المشتمل على هذه الشريعة التي نعلمها، وفيها الصلوات الخمس، والزكاة، وصوم رمضان، والحج على الصفة التي بينها النبي صلى الله عليه وسلم، وفيها أحكام المعاملات والجنايات وغير ذلك، هذا الإسلام الخاص هو الدين الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم.
وأما الإسلام العام الذي يقوم على توحيد الله تعالى، واتباع رسوله المرسل من عنده، فهو دين جميع الأنبياء، صلوات الله عليهم، دين نوح وإبراهيم وموسى وعيسى وغيرهم، كما قال تعالى: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ) آل عمران/١٩، وقال: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) آل عمران/٨٥
وقال عن نوح عليه السلام: (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) يونس/٧٢.
وقال عن إبراهيم: (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) آل عمران/٦٧.
وقال: (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ) الحج/٧٨
وقال عن موسى (يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ) يونس/٨٤.
وقال عن يوسف: (تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) يوسف/١٠١.
فالإسلام هو عبادة الله وحده لا شريك له، والإيمان بما جاء من عنده، وهذا قدر مشترك متفق عليه بين جميع الأنبياء، ثم يقع التمييز بينهم في تفاصيل الشرائع، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَالْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلَّاتٍ أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ) رواه البخاري (٣٤٤٣) .
والإخوة لعلات: هو الإخوة لأب.
والمراد أن أصل دينهم واحد، وإن اختلفت فروعهم.
ولهذا يخشى من قولنا عن الإسلام: إنه دين محمد صلى الله عليه وسلم أن يظن السامع وغيره أن دين الأنبياء الآخرين ليس هو الإسلام.
ولهذا كان الاسم العلم على هذا الدين هو " الإسلام "، وأصحابه هم " المسلمون "؛ قال الله تعالى: (هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا) الحج: ٧٨
قال الشيخ السعدي رحمه الله: " أي: في الكتب السابقة، مذكورون ومشهورون، وَفِي هَذَا الكتاب، وهذا الشرع؛ أي: ما زال هذا الاسم لكم قديما وحديثا ". تفسير السعدي (٥٤٦) باختصار يسير.
ولم يزل أتباع هذه الملة يسمون به، قال تعالى: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) الأحزاب/٣٥، وقال: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) فصلت/٣٣
وروى الترمذي (٢٨٦٣) عن الْحَارِثَ الْأَشْعَرِيَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( ... فَادْعُوا بِدَعْوَى اللَّهِ الَّذِي سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمِينَ الْمُؤْمِنِينَ عِبَادَ اللَّهِ) والحديث صححه الألباني في صحيح الترمذي.
وروى مسلم (١٣٣٦) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقِيَ رَكْبًا بِالرَّوْحَاءِ فَقَالَ مَنْ الْقَوْمُ؟ قَالُوا الْمُسْلِمُونَ فَقَالُوا مَنْ أَنْتَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ فَرَفَعَتْ إِلَيْهِ امْرَأَةٌ صَبِيًّا فَقَالَتْ أَلِهَذَا حَجٌّ قَالَ نَعَمْ وَلَكِ أَجْرٌ) .
فهذا هو اسمنا وشعارنا، وهذا ما كان عليه الصحابة والتابعون لهم بإحسان، فليسعنا ما وسعهم.
ثانياً:
وأما في مقام بيان إمام هذه الأمة، وأن متبوعهم الذي يأخذون عنه هو النبي محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وسلم، فلا بأس بالنسبة إليه هنا؛ وقد تواتر في الحديث تسمية المسلمين: " أمة محمد "؛ بل استعمل غير واحد من أهل العلم كلمة " المحمديون " في التعبير عن أتباع النبي صلى الله عليه وسلم، إما خاصة أتباعه الذين هم أهل سنته، أو في التعبير عن أمته صلى الله عليه وسلم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كلامه عن أهل الحيل الشيطانية والدجل: " وإذا اجتمعوا مع من له حال رحماني بطلت أحوالهم وهربت شياطينهم، وإنما يظهرون عند الكفار والجهال، كما يظهر أهل الإشارات عند التتر والأعراب والفلاحين ونحوهم من الجهال الذين لا يعرفون الكتاب والسنة، وأما إذا ظهر المحمديون أهل الكتاب والسنة فإن حال هؤلاء يبطل " مجموع الفتاوى (٢٧/٥٠٠) .
وقال الذهبي رحمه الله: " الطريقة المثلى هي المحمدية " السير (١٢/٨٩) ، وانظر: معجم المناهي اللفظية، للشيخ بكر أبو زيد حفظه الله، ص (٤٩٧، ٦١٠) .
مع أننا ننبه هنا إلى أن بعض أعداء الإسلام يلقبون المسلمين بذلك تشبيها للهم بالنصارى
" المسيحيون "، الذين ينسبون إلى المسيح ويعبدونه من دون الله، فلذلك كان الأسلم أن يستعمل الاسم الذي هو علم على هذا الدين وأتباعه، وسماهم الله به: " المسلمون "، وإذا استعمل غير المسلمين هذا، أو استعمله المسلم أمام غير المسلمين، بين لهم مدلول هذه النسبة عندنا، واختلافها عن مدلول الانتساب عند غير الأمة المرحومة.
والله أعلم.
الْمَصْدَرُ
الإسلام سؤال وجواب