هل تزوج المسيح عيسى عليه السلام؟
السُّؤَالُ
ـقد كتب دان براون في كتابه: " سر داوينجي " أن المسيح عيسي بن مريم قد تزوج امرأة زانية اسمها مريم المجدلية، وكان لهما ابنة اسمها سارة. هل هذا صحيح حسب الروايات الإسلامية؟ وإن لم يكن صحيحًا فلماذا لم يتزوج عيسي بن مريم عليهما السلام؟.ـ
الْجَوَابُ
الحمد لله
لم يرد في صريح الكتاب والسنة الصحيحة نص يدل على إثبات أو نفي زواج السيد المسيح عيسى ابن مريم عليهما السلام، وإن كان في القرآن الكريم ما يدل على أن الزواج عموماً من هدي المرسلين، فقد قال سبحانه وتعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً) الرعد/٣٨، فذلك لا يمنع أن يكون بعضهم مستثنى من ذلك، وهذا الاستثناء كان كمالاً في حقه وفي شريعته، كما أن زواج الأنبياء ـ عموماً ـ وما أوتوا من الأزواج والذرية، كان كمالاً لهم.
وقد الله تعالى في بشارته لنبيه زكريا عليه السلام بولده الذي يولد له، يحي عليه السلام:
(فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِنَ الصَّالِحِينَ) آل عمران/٣٩.
قال القاضي عياض رحمه الله:
" فإن قيل: كيف يكون النكاح وكثرته من الفضائل، وهذا يحيى بن زكريا عليه السلام قد أثنى الله تعالى عليه أنه كان حصوراً؛ فكيف يثنى الله عليه بالعجز عما تعده فضيلة؟! وهذا عيسى ابن مريم عليه السلام تبتل من النساء، ولو كان كما قررته لنكح؟
فاعلم أن ثناء الله تعالى على يحيى ـ بأنه حصور ـ ليس كما قال بعضهم: إنه كان هيوباً، أو لا ذكر له؛ بل قد أنكر هذا حذاق المفسرين ونقاد العلماء، وقالوا هذه نقيصة وعيب ولا يليق بالأنبياء عليهم السلام، وإنما معناه أنه معصوم من الذنوب، أي: لا يأتيها، كأنه حصر عنها.
وقيل: مانعا نفسه من الشهوات، وقيل: ليست له شهوة في النساء.
فقد بان لك من هذا: أن عدم القدرة على النكاح نقص؛ وإنما الفضل في كونها موجودة ثم قمعها، إما بمجاهدة كعيسى عليه السلام، أو بكفاية من الله تعالى كيحيى عليه السلام، فضيلة زائدة؛ لكونها مشغلة في كثير من الأوقات، حاطّة إلى الدنيا، ثم هي في حق من أقدر عليها وملكها وقام بالواجب فيها ولم يشغله عن ربه: درجة علياء، وهى درجة نبينا صلى الله عليه وسلم، الذي لم تشغله كثرتهن عن عبادة ربه، بل زاده ذلك عبادة لتحصينهن وقيامه بحقوقهن واكتسابه لهن وهدايته إياهن. " انتهى.
الشفا بحقوق المصطفى، للقاضي عياض (١٨٨-٨٩) ، وانظر: تفسير ابن كثير (٢/٣٨) ، وأيضا: "التحرير والتنوير"، لابن عاشور (١٣/١٦٢-١٦٣) .
وقال الشيخ الطاهر ابن عاشور رحمه الله:
" وأما ترك المسيح التزوج فلعله لعارض آخر أمره الله به لأجله، وليس ترك التزوج من شؤون النبوءة فقد كان لجميع الأنبياء أزواج قال تعالى: (وجعلنا لهم أزواجاً وذرية) الرعد/٣٨ " انتهى.
"التحرير والتنوير" (٢٧/٤٢٥)
وأما ما جاء في رواية " شيفرة دافنشي " لكاتبها " دان براون "، فليس فيها إلا إثارة لمواضيع حساسة لدى الكنائس الغربية لقصد الإثارة وتحقيق الأرباح فقط، وليس بغرض البحث العلمي، ولا التحقيق التاريخي، وقد أثارت هذه الرواية جدلاً واسعاً في الأوساط النصرانية، وكتب الكثيرون منهم ردوداً على ما جاء فيها من تفصيلات تعارضها الكنيسة.
وأما نحن المسلمين فنقول: المسيح عيسى ابن مريم عليهما السلام من أولي العزم من الرسل، وهو كلمة الله ألقاها إلى مريم وروح منه، وأما أنه تزوج أو لم يتزوج، فأي الأمرين وقع له، فهو فضل وكمال في حقه، ولا ينقص من قدره عند الله شيئاً، صلى الله عليه وعلى إخوانه من الأنبياء والرسل.
والله أعلم.
الْمَصْدَرُ
الإسلام سؤال وجواب