كيف يأخذ المسلم العاصي كتابه يوم القيامة؟
السُّؤَالُ
ـعند تطاير الصحف هل مَنْ سيأخذ الكتاب بيمينه لن يدخل النار مطلقا؟ والعكس، وكيف سيأخذ أهل الجنة اللذين سيعذبون في النار أولاً كتابهم؟.ـ
الْجَوَابُ
الحمد لله
دل الكتاب والسنة على أن الناس يأخذون كتبهم التي هي صحائف أعمالهم يوم القيامة، فآخذ كتابه باليمين، وآخذ كتابه بالشمال من وراء ظهره.
قال الله تعالى: (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمْ اقْرَءُوا كِتَابِيه * إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيه * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَالَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيه * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيه * يَالَيْتَهَا كَانَتْ الْقَاضِيَةَ. . . إلى قوله تعالى: (إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ) الحاقة/١٩- ٣٣.
وقال تعالى: (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا * وَيَصْلَى سَعِيرًا * إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا * إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ) الانشقاق/٧- ١٤.
دلت الآيات على أن المؤمن السعيد يأخذ كتابه بيمينه، وأن الكافر الشقي يأخذ كتابه بشماله، من وراء ظهره.
والدليل على أن أهل الشمال هم الكفار قوله تعالى في سياق الآيات: (إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ) . وقوله: (إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ) أي ظن أنه لن يرجع إلى الله. ويدل على ذلك أيضا قوله تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ) البلد/١٩.
قال القرطبي رحمه الله في تفسيره (٢٠/٦٥) : (أي يأخذون كتبهم بشمائلهم) انتهى.
وهذا كالصريح في أن الأخذ بالشمال مقصور على الكفار.
ولا شك أن المؤمن المطيع الناجي من العذاب، يأخذ كتابه بيمينه، ويدل على ذلك سياق الآيات، فإن الحساب اليسير هو مجرد عرض الأعمال، دون مناقشة فيها، ومن نوقش الحساب عُذِّب أو هلك، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم. رواه البخاري (٦١٧٢) ومسلم (٢٨٧٦) .
ويدل على ذلك أيضا: ما رواه البخاري (٢٤٤١) ومسلم (٢٧٦٨) وابن ماجه (١٨٣) عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ الْمَازِنِيِّ قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا أَمْشِي مَعَ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا آخِذٌ بِيَدِهِ إِذْ عَرَضَ رَجُلٌ فَقَالَ: كَيْفَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي النَّجْوَى؟ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّ اللَّهَ يُدْنِي الْمُؤْمِنَ فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَيَسْتُرُهُ فَيَقُولُ: أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، أَيْ رَبِّ. حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ قَالَ: سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا، وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ، فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ زاد ابن ماجه: بِيَمِينِهِ . وَأَمَّا الْكُفَّارُ وَالْمُنَافِقُونَ فَيُنَادَى بِهِمْ عَلَى رُءُوسِ الْخَلائِقِ: هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ.
وأما عصاة الموحدين، ممن يدخل النار ثم يخرج منها، فقد اختُلف فيهم: فمن أهل العلم من قال: إنهم يأخذون كتبهم بأيمانهم. ومنهم من قال: يأخذونها بشمائلهم.
قال السفاريني رحمه الله: " يعطى الكافر كتابه بشماله من وراء ظهره، ويعطى المؤمن العاصي كتابه بشماله من أمامه. ويعطى المؤمن الطائع كتابه بيمينه من أمامه. وقد جزم الماوردي بأن المشهور أن الفاسق الذي مات على فسقه دون توبة يأخذ كتابه بيمينه، ثم حكى قولا بالوقوف أي التوقف في المسألة قال: ولا قائل بأنه يأخذه بشماله.
وقال يوسف بن عمر من المالكية: اختلف في عصاة الموحدين فقيل: يأخذون كتبهم بأيمانهم، وقيل: بشمائلهم.
وعلى القول بأنهم يأخذونها بأيمانهم قيل: يأخذونها قبل الدخول في النار، فيكون ذلك علامة على عدم خلودهم فيها. وقيل: يأخذونها بعد الخروج منها. والله أعلم " انتهى من لوامع الأنوار البهية ٢ (/١٨٣) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: بالنسبة للعاصي المؤمن هل يأخذ كتابه بيمينه أو بالشمال؟ فأجاب: " يأخذه بيمينه " انتهى من الأسئلة الملحقة بشرح السفارينية (ص ٥٠٠) .
والذي يظهر - والله أعلم - أنه لا يأخذ كتابه بشماله إلا الكافر، كما هو ظاهر الآيات المتقدمة.
والذي ينبغي للمسلم أن يجتهد في تحصيل الطاعات، وفعل الخيرات، ليكون من أهل اليمين، جعلنا الله تعالى منهم.
والله أعلم.
الْمَصْدَرُ
الإسلام سؤال وجواب