يمتنعون من صلاة الجماعة بحجة أن الإمام يتقاضى على الإمامة أجرا!
السُّؤَالُ
ـلا يقوم أصدقائي بأداء صلاة الجماعة، لأن الإمام يتقاضى أجرا، ويقولون: إن كل غرضه تحصيل المال. فهل ما يفعلونه صحيح؟ وهل يجب على كل إمام يصلي بالناس أن يتقاضى راتبه من الحكومة؟ـ
الْجَوَابُ
الحمد لله
أولا:
صلاة الجماعة فرض واجب على الرجال القادرين، ولا يتخلف عنها لغير عذر إلا آثم منحرف عن طريق الهدى.
فروى مسلم (٦٥٤) عن ابن مسعود رضي الله عنه قَالَ: " مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ غَدًا مُسْلِمًا فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ، فَإِنَّ اللَّهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُنَنَ الْهُدَى وَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى، وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ كَمَا يُصَلِّي هَذَا الْمُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ، وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ، وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ ثُمَّ يَعْمِدُ إِلَى مَسْجِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا حَسَنَةً وَيَرْفَعُهُ بِهَا دَرَجَةً وَيَحُطُّ عَنْهُ بِهَا سَيِّئَةً، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ ".
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ أَعْمَى فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ لَيْسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُنِي إِلَى الْمَسْجِدِ فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ فَيُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ، فَرَخَّصَ لَهُ، فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ، فَقَالَ: هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلاةِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَأَجِبْ. رواه مسلم (٦٥٣) وأبو داود (٥٥٢) ولفظه:
(لا أَجِدُ لَكَ رُخْصَةً)
قال ابن المنذر:
" فإذا كان الأعمى لا رخصة له: فالبصير أولى أن لا تكون له رخصة " انتهى.
" الأوسط " (٤ / ١٣٤) . وينظر: "المغني" (٢ / ٣) .
وينظر لأدلة وجوب صلاة الجماعة إجابة السؤال رقم: (٨٩١٨) .
ثانيا:
إذا كان الإمام يأخذ راتبا من الحكومة، سواء كان رزقا من بيت المال، أو وقفا هو من أهله، أو غير ذلك: فلا شيء عليه فيه.
وقال البهوتي في "الكشاف" (١/٤٧٥) :
" (فَإِنْ دُفِعَ إلَيْهِ) أَيْ الْإِمَامِ (شَيْءٌ بِغَيْرِ شَرْطٍ , فَلَا بَأْسَ نَصًّا) وَكَذَا لَوْ كَانَ يُعْطَى مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ مِنْ وَقْفٍ " انتهى.
وسئل الشيخ الفوزان: أنا موظف بمديرية الأوقاف بوظيفة مقيم شعائر دينية؛ بمعنى: أنني أقوم بالإمامة وآخذ على ذلك مرتبًا فهل هذا يجوز؟ مع العلم أنه ليس لي مصدر رزق آخر فأجاب الشيخ حفظه الله:
" لا بأس أن تقوم بالإمامة وأن تأخذ ما خصص للإمام من بيت المال من الإعانة؛ لأن هذا يعينك على طاعة الله.
هذا إذا لم يكن قصدك طمع الدنيا، وإنما قصدك ما عند الله سبحانه وتعالى، وتقوم بهذه الإمامة رغبة في الخير، وتأخذ هذه الإعانة لأجل سد حاجتك للتفرغ للإمامة؛ فهذا لا حرج فيه، بل هو من الإعانة على طاعة لله عز وجلَّ، والعبرة بالمقاصد.
أما إذا كان قصد الإنسان طمع الدنيا، واتخاذ العبادة وأعمال الطاعة وسيلة لتحصيل الدنيا؛ فهذا لا يجوز، وهو عمل باطل " انتهى.
"المنتقى من فتاوى الفوزان" (٤٩ / ٤٩-٥٠)
وأما إذا كان ما يأخذه الإمام هو من أعطيات الناس، فلا بأس عليه في ذلك أيضا، إذا لم يشارطهم عليه، بل ما أعطوه أخذه، قل أو كثر.
قال أَبُو دَاوُد: سَمِعْت أَحْمَدَ , رحمه الله , سُئِلَ عَنْ إمَامٍ , قَالَ: أُصَلِّي بِكُمْ رَمَضَانَ بِكَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا. قَالَ: أَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ , مَنْ يُصَلِّي خَلْفَ هَذَا؟
وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: " لَا تُصَلُّوا خَلْفَ مَنْ لَا يُؤَدِّي الزَّكَاةَ , وَقَالَ: لَا تُصَلِّ خَلْفَ مَنْ يُشَارِطُ , وَلَا بَأْسَ أَنْ يَدْفَعُوا إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ " انتهى. "المغني" (٢/٩)
وقال ابن نجيم رحمه الله:
" قالوا: فإن لم يشارطهم على شيء، لكن عرفوا حاجته فجمعوا له في كل وقت شيئا: كان حسنا، ويطيب له " انتهى. "البحر الرائق" (١/٢٦٨) .
ثالثا:
يتبين مما سبق أن مجرد أخذ راتب من الحكومة، أو قبول الأعطيات والرزق على القيام بالإمامة ليس هو مما يجرح به الإمام ويعاب به؛ لأنه ربما كان يأخذه على وجه مشروع لا كراهة فيه؛ بل إن بعض أهل العلم قد ذهب إلى جواز أخذ الراتب مطلقا، ولو لم يكن الإمام فقيرا، ولو شارطهم على ذلك، وهو قول معتبر بعض الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة.
ينظر: أخذ المال على أعمال القرب، عادل شاهين (١/٢٠٦-٢٢٠) .
وإذا كان ذلك كذلك فمثل هذه المسائل الاجتهادية لا يعنف فيها على المخالف، ولا ينكر عليه، إذا كان هذا هو ما يعتقده ويترجح عنده؛ فمن باب أولى: أنه لا يعاب بذلك ولا يذم به.
رابعا:
الاطلاع على مقصد الإمام من إمامته، وأنه ليس له غرض إلا الحصول على المال، ليس في مقدور الناس عادة، بل يوكل أمره في ذلك إلى الله، ويعامل بظاهر حاله.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(إِنِّي لَمْ أُومَرْ أَنْ أَنْقُبَ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ وَلَا أَشُقَّ بُطُونَهُمْ) . متفق عليه.
وإذا قدر أننا اطلعنا على ذلك، وأنه عاص بهذا الفعل، فليست مجرد المعصية التي يلابسها الإمام عذرا في ترك صلاة الجماعة، بل متى أمكنه أن يصلي الجماعة خلف إمام هو أمثل منه، وأصلح في دينه: فعل ذلك، وإن لم يمكنه: لم يجز له أن يترك صلاة الجماعة بمجرد ذلك، وهذا من أصول السنة، ألا يدعوا صلاة الجمعة والجماعة لمجرد معصية الإمام، إذا لم يمكنهم أن يقيموها خلف غيره.
قال الطحاوي رحمه الله في عقيدته (٤٥) :
" ونرى الصلاة خلف كل بر وفاجر من أهل القبلة ونصلي على من مات منهم ".
وقال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى:
" إِذَا لَمْ يُمْكِنْ مَنْعُ الْمُظْهِرِ لِلْبِدْعَةِ وَالْفُجُورِ إلَّا بِضَرَرِ زَائِدٍ عَلَى ضَرَرِ إمَامَتِهِ: لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ، بَلْ يُصَلِّي خَلْفَهُ مَا لَا يُمْكِنُهُ فِعْلُهَا إلَّا خَلْفَهُ، كَالْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ وَالْجَمَاعَةِ، إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ إمَامٌ غَيْرُهُ. وَلِهَذَا كَانَ الصَّحَابَةُ يُصَلُّونَ خَلْفَ الْحَجَّاجِ وَالْمُخْتَارِ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ الثَّقَفِيِّ وَغَيْرِهِمَا الْجُمُعَةَ وَالْجَمَاعَةَ؛ فَإِنَّ تَفْوِيتَ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ أَعْظَمُ فَسَادًا مِنْ الِاقْتِدَاءِ فِيهِمَا بِإِمَامِ فَاجِرٍ، لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ التَّخَلُّفُ عَنْهُمَا لَا يَدْفَعُ فُجُورَهُ، فَيَبْقَى تَرْكُ الْمَصْلَحَةِ الشَّرْعِيَّةِ بِدُونِ دَفْعِ تِلْكَ الْمَفْسَدَةِ. وَلِهَذَا كَانَ التَّارِكُونَ لِلْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَاتِ خَلْفَ أَئِمَّةِ الْجَوْرِ مُطْلَقًا مَعْدُودِينَ عِنْدَ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ. وَأَمَّا إذَا أَمْكَنَ فِعْلُ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ خَلْفَ الْبَرِّ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ فِعْلِهَا خَلْفَ الْفَاجِرِ " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (٢٣ / ٣٤٣) .
والواجب: نصح هؤلاء بوجوب إقامة الصلاة في بيوت الله التي أذن أن ترفع ويذكر فيها اسمه، ووجوب السعي إليها مع المسلمين، وحضور الجماعات، والسعي في الألفة بين المسلمين، ومنع الشقاق وظن السوء وفساد ذات البين.
والله أعلم.
الْمَصْدَرُ
الإسلام سؤال وجواب