هل يَخطب في العيد خطبتين أو خطبة واحدة؟
السُّؤَالُ
ـما القول الراجح في خطبة العيدين، هل هي خطبة أم خطبتين؟ وما الدليل على ذلك؟.ـ
الْجَوَابُ
الحمد لله
ذهب جمهور أهل العلم من المذاهب الأربعة وغيرهم إلى أنه يخطب في العيد بخطبتين، يفصل بينهما بجلوس، كما يفعل ذلك في خطبة صلاة الجمعة.
جاء في المدونة (١/٢٣١) : " وقال مالك: الخطب كلها، خطبة الإمام في الاستسقاء والعيدين ويوم عرفة والجمعة، يجلس فيما بينها، يفصل فيما بين الخطبتين بالجلوس " انتهى.
وقال الشافعي رحمه الله في "الأم" (١/٢٧٢) : "عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: السنة أن يخطب الإمام في العيدين خطبتين يفصل بينهما بجلوس (قال الشافعي) : وكذلك خطبة الاستسقاء وخطبة الكسوف، وخطبة الحج، وكل خطبة جماعة " انتهى.
وينظر: "بدائع الصنائع" (١/٢٧٦) ، "المغني" (٢/١٢١) .
قال الشوكاني رحمه الله معلقا على الأثر السابق: " والحديث الثاني يرجحه القياس على الجمعة. وعبيد الله بن عبد الله تابعي كما عرفت، فلا يكون قوله: "من السنة" دليلا على أنها سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما تقرر في الأصول. وقد ورد في الجلوس بين خطبتي العيد حديث مرفوع رواه ابن ماجه، وفي إسناده إسماعيل بن مسلم، وهو ضعيف " انتهى من "نيل الأوطار" (٣/٣٢٣) .
وحديث ابن ماجة (١٢٧٩) هو ما رواه عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: (خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فِطْرٍ أَوْ أَضْحَى، فَخَطَبَ قَائِمًا، ثُمَّ قَعَدَ قَعْدَةً، ثُمَّ قَامَ) والحديث أورده الألباني في ضعيف ابن ماجه، وقال عنه: منكر.
قال في "عون المعبود" (٤/٤) : " قال النووي في الخلاصة: وما روي عن ابن مسعود أنه قال: السنة أن يخطب في العيد خطبتين يفصل بينهما بجلوس، ضعيفٌ غير متصل، ولم يثبت في تكرير الخطبة شيء، والمعتمد فيه القياس على الجمعة " انتهى.
فتحصّل من ذلك أن مستند الخطبتين:
١- حديث ابن ماجة، وأثر ابن مسعود رضي الله عنه، وكلاهما ضعيف كما سبق.
٢- أثر عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وهو تابعي.
٣- القياس على الجمعة.
٤- وذكر الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أمراً رابعاً قد يُحتج به، قال رحمه الله: " وقوله: " خطبتين " هذا ما مشى عليه الفقهاء رحمهم الله أن خطبة العيد اثنتان؛ لأنه ورد هذا في حديث أخرجه ابن ماجه بإسناد فيه نظر، ظاهره أنه كان يخطب خطبتين. ومن نظر في السنة المتفق عليها في الصحيحين وغيرهما تبين له أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخطب إلا خطبة واحدة، لكنه بعد أن أنهى الخطبة الأولى توجه إلى النساء ووعظهن، فإن جعلنا هذا أصلا في مشروعية الخطبتين فمحتمل، مع أنه بعيد؛ لأنه إنما نزل إلى النساء وخطبهن لعدم وصول الخطبة إليهن، وهذا احتمال. ويحتمل أن يكون الكلام وصلهن ولكن أراد أن يخصهن بخصيصة، ولهذا ذكرهن ووعظهن بأشياء خاصة بهن " انتهى من "الشرح الممتع" (٥/١٩١) .
وقد سئلت "اللجنة الدائمة" ما نصه: " هل في خطبة العيدين جلوس بين الخطبتين؟
فأجابت:
" خطبتا العيدين سنة وهي بعد صلاة العيد، وذلك لما روي النسائي وابن ماجه وأبو داود عن عطاء عن عبد الله بن السائب رضي الله عنهما قال: شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم العيد فلما قضى الصلاة قال: (إنا نخطب فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس ومن أحب أن يذهب فليذهب) . قال الشوكاني رحمه الله في النيل: " قال المصنف رحمه الله تعالى: وفيه بيان أن الخطبة سنة، إذ لو وجبت وجب الجلوس لها " اهـ.
ويشرع لمن خطب خطبتين في العيد أن يفصل بينهما بجلوس خفيف قياساً على خطبتي الجمعة، ولما روي الشافعي رحمه الله عن عبيد بن عبد الله بن عتبة رضي الله عنه قال: السنة أن يخطب الإمام في العيدين خطبتين يفصل بينهما بجلوس.
وذهب بعض أهل العلم إلى أنه ليس لصلاة العيد إلا خطبة واحدة؛ لأن الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس فيها إلا خطبة واحدة، والله أعلم " انتهى نقلا عن "فتاوى إسلامية" (١/٤٢٥) .
وسئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل يخطب الإمام في العيد خطبة واحدة أو خطبتين؟
فأجاب:
" المشهور عند الفقهاء رحمهم الله أن خطبة العيد اثنتان، لحديث ضعيف ورد في هذا، لكن في الحديث المتفق على صحته أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يخطب إلا خطبة واحدة، وأرجو أن الأمر في هذا واسع " انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (١٦/٢٤٦) .
وقال أيضاً (١٦/٢٤٨) :
" السنة أن تكون للعيد خطبة واحدة، وإن جعلها خطبتين فلا حرج؛ لأنه قد روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن لا ينبغي أن يهمل عظة النساء الخاصة بهن. لأن النبي عليه الصلاة والسلام وعظهن.
فإن كان يتكلم من مكبر تسمعه النساء فليخصص آخر الخطبة بموعظة خاصة للنساء، وإن كان لا يخطب بمكبر وكان النساء لا يسمعن فإنه يذهب إليهن، ومعه رجل أو رجلان يتكلم معهن بما تيسر " انتهى.
وخلاصة الجواب:
أن المسألة من مسائل الاجتهاد، والأمر في هذا واسع، وليس في السنة النبوية نص فاصل في المسألة، وإن كان ظاهرها أنها خطبة واحدة، فيفعل الإمام ما يراه أقرب إلى السنة في نظره.
والله أعلم.
الْمَصْدَرُ
الإسلام سؤال وجواب