نسيان النذر، وعدم الالتزام به
السُّؤَالُ
ـإنني كلما أمر بأزمة أوعد نفسي ـ مثلا ـ أصلي ركعتين، أو أستغفر ١٠٠ مره بعد كل صلاة، ولكنني لم ألتزم. وأيضا فإنني أنسى ما نذرت وما وعدت، ولم أذكر، فماذا عليّ أن أفعله. وأيضا أنقذني الله تعالى من أزمه، فقلت: كل يومين أصلي ركعتين له تعالى حمدا وشكرا إذا استطعت، والتزمت بها لمده سنتين، ولكني تخلفت عنها منذ أشهر، لأن البعض يقول لا تجوز هذه الصلاة، وإنما الحمد الله هو أن تسجد فقط له؟! وأما من نذر صلاة أو صياما ـ مثلا ـ ونسي قدره، فقد نقلت ما يوافق كلامه.ـ
الْجَوَابُ
الحمد لله
أولا:
إن مجرد وعد النفس، بتعبير السائل، أو العزم على فعل معين، أو تحديث النفس به، كل ذلك لا يدخل في باب النذر، ولا يلزم المكلف أن يفعل ما عزم عليه أو نواه، إذا لم يجعله نذرا على نفسه، بصيغة تدل على ذلك؛ مثل أن يقول: إن ذلك نذر عليه، أو: لله عليه أن يفعل كذا، أو نحو من ذلك؛ فمجرد النية لا تجعل الأمر المنوي نذرا، ما لم يذكر معه قولا يدل على ذلك.
قال الشيخ زكريا الأنصاري رحمه الله في بيان أركان النذر:
"الرُّكْنُ الثَّانِي: الصِّيغَةُ؛ فَلَا بُدَّ مِنْهَا فِي النَّذْرِ؛ فَلَا يَنْعَقِدُ بِالنِّيَّةِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ، وَيَنْعَقِدُ بِإِشَارَةِ الْأَخْرَسِ الْمُفْهِمَةِ، وَيَنْبَغِي انْعِقَادُهُ بِكِتَابَةِ النَّاطِقِ مَعَ النِّيَّةِ.. " انتهى.
"أسنى المطالب" (١/٥٧٦) .
وقال المرداوي رحمه الله:
" ولا يصح إلا بالقول فإن نواه من غير قول لم يصح بلا نزاع " انتهى.
"الإنصاف" (١١/٩٠) .
وجاء في الموسوعة الفقهية:
" اعْتَبَرَ الْفُقَهَاءُ فِي صِيغَةِ النَّذْرِ أَنْ تَكُونَ بِاللَّفْظِ مِمَّنْ يَتَأَتَّى مِنْهُمُ التَّعْبِيرُ بِهِ، وَأَنْ يَكُونَ هَذَا اللَّفْظُ مُشْعِرًا بِالاِلْتِزَامِ بِالْمَنْذُورِ، وَذَلِكَ لأَِنَّ الْمُعَوَّل عَلَيْهِ فِي النَّذْرِ هُوَ اللَّفْظُ، إِذْ هُوَ السَّبَبُ الشَّرْعِيُّ النَّاقِل لِذَلِكَ الْمَنْدُوبِ الْمَنْذُورِ إِلَى الْوُجُوبِ بِالنَّذْرِ، فَلَا يَكْفِي فِي ذَلِكَ النِّيَّةُ وَحْدَهَا بِدُونِهِ.
وَيَقُومُ مَقَامَ اللَّفْظِ الْكِتَابَةُ الْمَقْرُونَةُ بِنِيَّةِ النَّذْرِ، أَوْ بِإِشَارَةِ الأَْخْرَسِ الْمُفْهِمَةِ الدَّالَّةِ أَوِ الْمُشْعِرَةِ بِالْتِزَامِ كَيْفِيَّةِ الْعُقُودِ " انتهى.
"الموسوعة الفقهية الكويتية" (٤٠/١٤٠) .
فعلى ذلك لا يلزم السائل أن يفعل ما وعد نفسه به، أو نواه، ما لم يقترن بذلك صيغة تدل على النذر.
ثانيا:
من نذر طاعة من الطاعات، صلاة أو زكاة أو غير ذلك، سواء نذر ذلك ابتداء، أو علقه على حصول أمر، وحصل ما علق عليه نذره: وجب عليه الوفاء بذلك، وحرم عليه الإخلال بما نذر به؛ لمار ورى البخاري (٦٦٩٦) وغيره، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلَا يَعْصِهِ) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
" الطَّاعَة أَعَمُّ مِنْ أَنْ تَكُون فِي وَاجِب أَوْ مُسْتَحَبّ , وَيُتَصَوَّر النَّذْر فِي فِعْل الْوَاجِب بِأَنْ يُؤَقِّتَهُ , كَمَنْ يَنْذُر أَنْ يُصَلِّيَ الصَّلَاةَ فِي أَوَّل وَقْتهَا، فَيَجِب عَلَيْهِ ذَلِكَ بِقَدْرِ مَا أَقَّتَهُ.
وَأَمَّا الْمُسْتَحَبّ مِنْ جَمِيع الْعِبَادَات الْمَالِيَّة وَالْبَدَنِيَّة فَيَنْقَلِب بِالنَّذْرِ وَاجِبًا، وَيَتَقَيَّد بِمَا قَيَّدَهُ بِهِ النَّاذِر.
وَالْخَبَر صَرِيح فِي الْأَمْر بِوَفَاءِ النَّذْر إِذَا كَانَ فِي طَاعَة , وَفِي النَّهْي عَنْ تَرْك الْوَفَاء بِهِ إِذَا كَانَ فِي مَعْصِيَة. " انتهى. "فتح الباري" (١١/٥٨٢) .
قال ابن المنذر رحمه الله:
" وأجمعوا أن كل من قال: إن شفى الله عليلي، أو قدم غائبي، أو ما أشبه ذلك، فعلي من الصوم كذا، ومن الصلاة كذا، فكان كما قال، أن عليه الوفاء بنذره. " انتهى.
"الإجماع" لابن المنذر (١٥٧) .
قال ابن عبد البر رحمه الله:
" ولا خلاف بين العلماء أن النذر بالطاعة يلزم صاحبه الوفاء به، ولا كفارة فيه " انتهى.
"الاستذكار" (١٥/٤١) .
فتبين بذلك أن نذر العبادات التي وضعها الشارع قربةً لعباده: صحيح في نفسه، وأنه لازم للمكلف، وأن من نذر أن يصلي لله كذا ركعة، أو يستغفر كذا مرة، أو يصوم أياما معينة، أو غير ذلك من الطاعات: فعليه أن يوفي بنذره، وليس له كفارة إلا الوفاء به، وأن ما ذكره القائل في السؤال من عدم جواز هذه الصلاة المنذورة: خطأ، مخالف لإجماع العلماء.
ثالثا:
من نذر، ثم نسي ما نذره: هل كان صلاة أو صياما، أو غير ذلك؛ فإنه يجتهد في معرفة ما كان نذره، إن كانت هناك قرينة أو علامة تدل عليه، فإن لم يتذكر شيئا من ذلك، فعليه كفارة يمين، كما هو مذهب جمهور العلماء في النذر المبهم الذي لم يسم صاحبه ما يلتزمه من الأعمال.
ينظر ـ في حكم النذر المبهم ـ: "الموسوعة الفقهية" (٤٠/١٥٨) .
وأما إن كان يذكر أنه نذر صلاة، أو صياما، أو غير ذلك، لكنه نسي صفة ما نذره أو عدده، فالواجب عليه أقل ما يصدق عليه ذلك النذر؛ فيصلي ركعتين، أو يصوم يوما، أو نحو ذلك.
قال الشيخ مصطفى الرحيباني رحمه الله:
" (وَ) مَنْ أَحْرَمَ (بِنُسُكٍ) تَمَتُّعٍ، أَوْ إفْرَادٍ أَوْ قِرَانٍ، أَوْ أَحْرَمَ بِنَذْرٍ (وَنَسِيَهُ) ، أَيْ: مَا أَحْرَمَ بِهِ، أَوْ نَسِيَ مَا نَذَرَهُ (قَبْلَ طَوَافٍ، صَرَفَهُ لِعُمْرَةٍ نَدْبًا) ، لِأَنَّهَا الْيَقِينُ " انتهى.
"مطالب أولي النهى" (٢/٣١٨) . وينظر: "الموسوعة الفقهية" (٤٠/١٦٣-١٦٥) .
والله أعلم.
الْمَصْدَرُ
الإسلام سؤال وجواب