حكم الهبوط بالمظلة من الطائرة
السُّؤَالُ
ـهل يجوز تجربة الهبوط بالمظلة من الطائرة، وهل إذا مات الشخص وهو يهبط يعتبر انتحارا؟ـ
الْجَوَابُ
الحمد لله
أولا:
إذا كان الهبوط بالمظلة من الطائرة لغرض التدريب على أساليب القتال الحديثة والمناورات الحربية فلا بأس به، بل هو مأمور به، لقوله تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ) الأنفال / ٦٠
قال الشيخ السعدي رحمه الله:
" أي (وَأَعِدُّوا) لأعدائكم الكفار الساعين في هلاككم وإبطال دينكم (مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) أي: كل ما تقدرون عليه من القوة العقلية والبدنية وأنواع الأسلحة، ونحو ذلك مما يعين على قتالهم، فدخل في ذلك أنواع الصناعات التي تعمل فيها أصناف الأسلحة والآلات، من المدافع والرشاشات، والبنادق، والطيارات الجوية، والمراكب البرية والبحرية، والحصون والقلاع والخنادق، وآلات الدفاع، والرأْي والسياسة التي بها يتقدم المسلمون ويندفع عنهم به شر أعدائهم، وتَعَلُّم الرَّمْيِ، والشجاعة والتدبير.
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا إن القوة الرَّمْيُ) ومن ذلك: الاستعداد بالمراكب المحتاج إليها عند القتال، ولهذا قال تعالى: (وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ) وهذه العلة موجودة فيها في ذلك الزمان، وهي إرهاب الأعداء، والحكم يدور مع علته.
فإذا كان شيء موجود أكثر إرهابا منها، كالسيارات البرية والهوائية، المعدة للقتال التي تكون النكاية فيها أشد، كانت مأمورا بالاستعداد بها، والسعي لتحصيلها، حتى إنها إذا لم توجد إلا بتعلُّم الصناعة، وجب ذلك؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب " انتهى.
"تفسير السعدي" (ص ٣٢٤-٣٢٥) .
وأما إذا كان الهبوط على سبيل اللعب واللهو والترفيه: فلا يجوز، وأقل أحواله الكراهة إن كان الغالب على الظن السلامة، فإن غلب على الظن أن ممارسه يتلف، أو يصيبه ضرر في بدنه أو نفسه: حرم حينئذ.
عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ، وَغَزَوْنَا نَحْوَ فَارِسَ، فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ بَاتَ فَوْقَ بَيْتٍ لَيْسَتْ لَهُ إِجَّارٌ، فَوَقَعَ فَمَاتَ، فَبَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ. وَمَنْ رَكِبَ الْبَحْرَ عِنْدَ ارْتِجَاجِهِ فَمَاتَ، فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ) .
رواه الإمام أحمد في مسنده (٢٠٢٢٤) ، وحسنه الألباني.
قال ابن بطال رحمه الله:
" ومعناه إن شاء الله -: فقد برئت منه ذمة الحفظ؛ لأنه ألقى بيده إلى التهلكة وغرر بنفسه، ولم يرد فقد برئت منه ذمة الإسلام؛ لأنه لا يبرأ أحد من الإسلام إلا بالكفر". انتهى.
"شرح البخاري" (٥/٨٩) .
وفيما تأوله من " ذمة الحفظ "، وإن كان ذلك ليس معناه على الكفر قطعا، بل هو من أحاديث الوعيد لأهل الكبائر والمعاصي، وليست على الكفر المخرج من الملة.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
" ومفهومه الجواز عند عدمه، وهو المشهور من أقوال العلماء؛ فإذا غلبت السلامة فالبر والبحر سواء " انتهى. "فتح الباري" (٦/٨٨) .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين:
هل تجوز المغامرة بالنفس أو المخاطرة، كما نرى حالياً في بعض أنواع الرياضة العنيفة التي قد تؤدي بمن يمارسها إلى الهلاك؟
فأجاب رحمه الله تعالى:
" هذا محرم، ولا يجوز للإنسان أن يغرر بنفسه فيما يخشى منه التلف أو الضرر؛ لأن الله تعالى يقو (وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً) وإذا كان الله تعالى قد نهى عن ذلك فقال (وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ) ؛ فإن كل شيء يؤدي إلى الموت أو يؤدي إلى الضرر فإنه أيضاً محرم. قال النبي صلى الله عليه وسلم (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام) فكما أن الإنسان لا يحل له أن يعتدي على غيره، فلا يحل له أن يعتدي على نفسه بتعريضها لما فيه التلف أو الضرر " انتهى.
"فتاوى نور على الدرب" (١٣/٢٥٢) .
فالحاصل:
أن من قام بذلك النوع من الأعمال والمخاطرات: فإن كان ذلك من أجل التدريب على أساليب القتال الحديثة لإعداد القوة للأعداء: فلا حرج عليه فيه، بل هو مأجور عليه إن شاء الله، لكن ينبغي على المسؤول عن ذلك والقائم عليه: أن يتخير من يصلح لهذا النوع من المهمات، من حيث استعداده البدني والنفسي، وقدرته على القيام بهذا النوع من المهام، ومراقبة تدرجه في النهوض بأعباء ذلك، قبل أن يمارس المهمة فعلا.
فإن مات، أو تضرر بذلك، فليس قاتلا لنفسه، بل هو مأجور على قصده وعمله، إن شاء الله.
وأما لمجرد الرياضة والتسلية، كما هو شائع اليوم، فلا يجوز.
والله تعالى أعلم.
الْمَصْدَرُ
الإسلام سؤال وجواب