ينبغي استثمار المال وعدم تعطيله ولكن.. بعد كثير من الاحتياط
السُّؤَالُ
ـما هو الحل البديل من وجهة نظر الدين الإسلامي لمن عنده مبلغ من المال يريد يستثمره وليس له أي وسيلة لعمل مشروع تجاري يكسب منه؟ على سبيل المثال: أطفال يتامى أو شخص ليس له أي خبرات في عمل أي مشروع تجاري.ـ
الْجَوَابُ
الحمد لله
أولا:
جاءت الشريعة بحفظ الأموال، وصيانتها من الضياع.
فعَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه أنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ: قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ) رواه البخاري (٢٤٠٨) ومسلم (٥٩٣) .
قال الحافظ رحمه الله:
"قَوْله: (وَإِضَاعَة الْمَال) تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَكْثَر حَمَلُوهُ عَلَى الْإِسْرَاف فِي الْإِنْفَاق , وَقَيَّدَهُ بَعْضهمْ بِالْإِنْفَاقِ فِي الْحَرَام , وَالْأَقْوَى: أَنَّهُ مَا أُنْفِقَ فِي غَيْر وَجْهه الْمَأْذُون فِيهِ شَرْعًا سَوَاء كَانَتْ دِينِيَّة أَوْ دُنْيَوِيَّة، فَمَنَعَ مِنْهُ ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى جَعَلَ الْمَال قِيَامًا لِمَصَالِح الْعِبَاد , وَفِي تَبْذِيرهَا تَفْوِيت تِلْكَ الْمَصَالِح , إِمَّا فِي حَقّ مُضَيِّعهَا وَإِمَّا فِي حَقّ غَيْره , وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ: كَثْرَة إِنْفَاقه فِي وُجُوه الْبِرّ لِتَحْصِيلِ ثَوَاب الْآخِرَة مَا لَمْ يُفَوِّت حَقًّا أُخْرَوِيًّا أَهَمّ مِنْهُ " انتهى.
وكنز المال وعدم الاستفادة منه، وإن كان لا يعد تضييعاً للمال إلا أنه تعطيل له، وتضييع للمصالح المترتبة على إعمال هذا المال بالنسبة لصاحبه، وبالنسبة لغيره، فإعمال الأموال يؤدي إلى مصالح عامة، وتعطيلها يفوت هذه المصالح، مع ما قد يحصل بسبب تآكل المال بالصدقة والنفقة.
ولهذا قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (من ولي يتيما له مال فليتجر له ولا يتركه حتى تأكله الصدقة) رواه الدارقطني (٢/ ١٠٩) والبيهقي (١١٣٠١) وصححه ابن العربي في "عارضة الأحوذي (٢/٩٩) .
وروى البيهقي (١١٣٠٣) عن الْحَكَم بْن أَبِى الْعَاصِ قَالَ: قَالَ لِى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ: هَلْ قِبَلَكُمْ مُتَّجَرٌ فَإِنْ عِنْدِى مَالُ يَتِيمٍ قَدْ كَادَتِ الزَّكَاةُ أَنْ تَأْتِىَ عَلَيْهِ؟ قَالَ قُلْتُ لَهُ: نَعَمْ قَالَ: فَدَفَعَ إِلَىَّ عَشْرَةَ آلَافٍ فَغِبْتُ عَنْهُ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ لِى: مَا فَعَلَ الْمَالُ قَالَ قُلْتُ: هُوَ ذَا قَدْ بَلَغَ مِائَةَ أَلْفٍ ".
وروى البيهقي أيضا (١١٣٠٤) عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: " كَانَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تُزَكِّى أَمْوَالَنَا وَإِنَّهَا لَيُتْجَرُ بِهَا فِى الْبَحْرَيْنِ ".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" لا يجوز أن يولى على مال اليتيم إلا من كان قويا خبيرا بما ولي عليه أمينا عليه، والواجب إذا لم يكن الولي بهذه الصفة أن يستبدل به ... ويستحب التجارة بمال اليتيم لقول عمر وغيره: (اتجروا بأموال اليتامى كيلا تأكلها الصدقة) " انتهى.
"الفتاوى الكبرى" (٥/ ٣٩٧) .
فعلى هذا، ينبغي لمن عنده مال أو كان ولياً على مال يتيم أن يتجر بهذا المال، ويعمل على تنميته، ولا يتركه تأكله الصدقة والنفقة، ويكون معرضاً للضياع أو السرقة.
فإن كان يحسن العمل بنفسه، عمل بنفسه، وإن كان لا يحسن ذلك فإنه يبحث عن رجل ثقة أمين خبير بالتجارة ويشاركه بهذا المال، فينتفع الاثنان معاً.
ومن ذلك أيضاً: أن يضعه في أحد البنوك الإسلامية التي تعرف بسلامة معاملاتها من الناحية الشرعية، وعدم تعاملها بمعاملات محرمة كالربا وغيره.
وهناك مكاتب متخصصة في تحديد المشروعات مع تقديم دراسة لجدوى المشروع، ومتابعة للمشروع عدة أشهر، مقابل أجر يتفق معه عليها، فيمكن الاستعانة بمثل هذه المكاتب.
ولكثرة المحتالين الآن الذين لا يتورعون عن أكل أموال الناس بالباطل ينبغي أن يبذل صاحب المال مزيداً من الاهتمام والتأكد من الشخص الذي يعطيه المال.
ويستحسن أن تقوم الحكومات بهذا الدور وهو تنمية الأموال لأصحابها ، فإنها أقدر على القيام بذلك من الأفراد، وبدلاً من أن تأخذ أموال الناس قرضاً ربوياً نظير فائدة ثابتة معلومة كل شهر، تكون هناك مشاريع حقيقية نافعة، ويكون العقد عقد مضاربة منضبطاً بأحكام الشرع.
وما لم تقم الحكومات بذلك، وقلت الأمانة عند الناس صار من معه مال ولا يحسن التجارة ولا العمل مطمعاً لكل نهاب محتال، فضاعت الأموال، وضاعت معها مصالح الخلق.
نسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين.
والله أعلم
الْمَصْدَرُ
الإسلام سؤال وجواب