القوانين التي تمنع تعدد الزوجات أو تضيقه
السُّؤَالُ
ـما رأيكم في القوانين التي تمنع تعدد الزوجات؟ أو التي تجعل من حق الزوجة أن تطلب الطلاق إذا تزوج زوجها عليها؟ـ
الْجَوَابُ
الحمد لله
الواجب على المسلم حاكماً أو محكوماً أن يكون تحاكمه إلى الله ورسوله، لا إلى غيرهما، فقد أمرنا الله تعالى بطاعة أولياء أمورنا، ثم أمر الجميع الحكام والمحكومين، إن تنازعوا في شيء أن يردوه إلى كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وجعل ذلك شرطاً في الإيمان، فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) النساء/٥٩.
قال السعدي رحمه الله:
"أمر برد كل ما تنازع الناس فيه من أصول الدين وفروعه إلى الله وإلى رسوله أي: إلى كتاب الله وسنة رسوله؛ فإن فيهما الفصل في جميع المسائل الخلافية، إما بصريحهما أو عمومهما؛ أو إيماء، أو تنبيه، أو مفهوم، أو عموم معنى يقاس عليه ما أشبهه، لأن كتاب الله وسنة رسوله عليهما بناء الدين، ولا يستقيم الإيمان إلا بهما.
فالرد إليهما شرط في الإيمان فلهذا قال: (إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ) فدل ذلك على أن من لم يرد إليهما مسائل النزاع فليس بمؤمن حقيقة، بل مؤمن بالطاغوت، كما ذكر في الآية بعدها (ذَلِكَ) أي: الرد إلى الله ورسوله (خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا) فإن حكم الله ورسوله أحسن الأحكام وأعدلها وأصلحها للناس في أمر دينهم ودنياهم وعاقبتهم" انتهى.
وقال تعالى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) النساء/٦٥.
فالتحاكم إلى غير الله ورسوله وإلزام الناس بذلك أمر خطير، قد يخرج صاحبه من الإيمان بالكلية.
ولذلك فإننا نتوجه بالنصيحة أولاً إلى هؤلاء الحكام الذين غَيَّروا وبَدَّلوا أحكام الله، فقد أباح الله تعالى للرجل أن يتزوج بأربع نساء، وأوجب عليه العدل بينهن، فقال تعالى: (فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ) النساء/٣.
ولم يشترط الله تعالى موافقة الزوجة الأولى، ولا جعل من حقها طلب الطلاق إذا تزوج زوجها عليها، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (أَيُّمَا شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ) رواه البخاري (٢٥٦٣) ومسلم (١٥٠٤) .
فكل ما خالف كتاب الله فهو باطل، لا يجوز العمل به.
ثم لا ينقضي العجب من التضييق على الرجل فيما أحلَّ الله له، ومنعه منه، ثم فتح باب الحرام أمامه على مصراعيه.
فكثير من تلك القوانين الجاهلية التي تمنع تعدد الزوجات أو تضيقه لا تمنع أن يتخذ الرجل عشيقة، بل عشيقات، وهذا تحريم للحلال، وتحليل للحرام، وقد وصف الله كل حكم خالف حكمه بأنه حكم جاهلي، فقال تعالى: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) المائدة/٥٠.
قال ابن كثير رحمه الله:
"ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المُحْكَم المشتمل على كل خير، الناهي عن كل شر وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات، التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات، مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم، وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكزخان، الذي وضع لهم اليَساق، وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها عن شرائع شتى، من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية، وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه، فصارت في بنيه شرعًا متبعًا، يقدمونها على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. ومن فعل ذلك منهم فهو كافر يجب قتاله، حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فلا يحكم سواه في قليل ولا كثير، قال الله تعالى: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ) أي: يبتغون ويريدون، وعن حكم الله يعدلون. (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) أي: ومن أعدل من الله في حكمه لمن عَقل عن الله شرعه، وآمن به وأيقن وعلم أنه تعالى أحكم الحاكمين، وأرحم بخلقه من الوالدة بولدها، فإنه تعالى هو العالم بكل شيء، القادر على كل شيء، العادل في كل شيء.
قال الحسن: من حكم بغير حكم الله، فحكم الجاهلية هو.
وروى البخاري (٦٨٨٢) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَبْغَضُ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ ثَلَاثَةٌ: مُلْحِدٌ فِي الْحَرَمِ، وَمُبْتَغٍ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ، وَمُطَّلِبُ دَمِ امْرِئٍ بِغَيْرِ حَقٍّ لِيُهَرِيقَ دَمَهُ) " انتهى بتصرف يسير.
"تفسير ابن كثير" (٢/٩٤) .
فالنصيحة للحكام أن يعودوا إلى شرع الله تعالى، فلا يحكموا غيره في قليل ولا كثير، ولن يجنوا من وراء ذلك هم وشعوبهم إلا الخير والفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة، بينما لم تجن الشعوب من الإعراض عن حكم الله واستبداله إلا انتشار الظلم والفسق والمجون والتخلف والانحلال الخلقي وتفكك المجتمع وكثرة الجرائم واختلال الأمن.
ثم نتوجه بالنصيحة ثانياً إلى الزوجة التي يريد زوجها أن يتزوج عليها، بأن الواجب عليها أن ترضى بحكم الله وتسلم وتنقاد له، وما تجده في نفسها من الغيرة أو الكراهية لذلك، فهذا أمر فطري لا تلام المرأة عليه، بشرط أن لا تعترض على حكم الله، وأن لا تطلب الطلاق أو تسيء عشرة زوجها وتمنعه حقوقه بسبب ذلك.
ولا يجوز لها طلب الطلاق من أجل أن زوجها تزوج عليها، بل ذلك من كبائر الذنوب، ويدخل تحت قوله صلى الله عليه وسلم: (أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلَاقَ فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ) رواه ابن ماجه (٢٠٥٥) وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه.
ولتضع نفسها مكان أختها التي يريد زوجها أن يتزوجها، فهل كانت سترضى من زوجته الأولى أن تمنع هذا الزواج، وتهدد الزوج بطلب الطلاق إن هو فعل ذلك! والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ) رواه البخاري (١٣) ومسلم (٤٥) .
ثم نتوجه بالنصيحة إلى الزوج الذي يريد أن يعدد، بأن الواجب عليه أن يعدل بين زوجتيه، فإن الله تعالى إنما أباح التعدد للرجل بشرط أن يعدل، فإن لم يعدل أو خاف على نفسه أن لا يعدل فالواجب عليه الاقتصار على زوجة واحدة، قال الله تعالى: (فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً) النساء/٣.
وأخبرنا النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن: (مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ فَمَالَ إِلَى إِحْدَاهُمَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ) رواه أبو داود (٢١٣٣) والترمذي (١١٤١) وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود.
نسأل الله تعالى أن يصلح أحوال المسلمين وأن يرد المسلمين إلى دينهم رداً جميلاً.
والله أعلم
الْمَصْدَرُ
الإسلام سؤال وجواب