يأتي الناس إلى منزل جده المتوفى ويتبركون بمائه فماذا يفعل؟
السُّؤَالُ
ـصديقي كان جده من الأشخاص المعروف عنهم قدرته على إخراج الجن، وأعتقد والله أعلم بأنه لا يقوم بالتعامل معهم طبقا للشريعة الإسلامية؛ لأنه وحسب ما قال لي صديقي بأن جده كان لا يصلي، والآن وبعد وفاة جده يأتي الناس إلى محل سكن هذا الجد تبركاً ببركته، وبجانب هذا البيت توجد حنفية يأتيها الناس ليأخذوا منها الماء بحجة أنها ماء مبارك، ويقومون بوضع مال جنب هذه الحنفية.
والسؤال هو: بماذا تنصحون صديقي؟ هل يقوم بتكسير هده الحنفية أم ماذا؟ وهل المال الذي يجده بجانب هذه الحنفية حرام؟.ـ
الْجَوَابُ
الحمد لله
أولا:
لا يجوز التبرك بآثار غير الأنبياء، سواء كان المتبرك بهم صالحين أو طالحين، نسأل الله العافية، لكن تبرك الناس بمن لا يصلي، دليل على شدة الجهل وعظم الغفلة، ومدى حاجة الناس إلى تعلم العقيدة الصحيحة المنقذة من الضلال.
والدليل على عدم جواز التبرك بآثار غير الأنبياء: أنه لم ينقل عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم التبرك بأبي بكر أو عمر أو غيرهم من الصحابة رضي الله عنهم، ولو كان خيرا لسبقونا إليه.
قال الشاطبي رحمه الله: " الصحابة رضي الله عنهم بعد موته عليه الصلاة والسلام لم يقع من أحد منهم شيء من ذلك بالنسبة إلى من خلفه، إذ لم يترك النبي صلى الله عليه وسلم بعده في الأمة أفضل من أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فهو كان خليفته، ولم يُفعل به شيء من ذلك، ولا عمر رضي الله عنهما، وهو كان أفضل الأمة بعده، ثم كذلك عثمان، ثم علي، ثم سائر الصحابة الذين لا أحد أفضل منهم في الأمة، ثم لم يثبت لواحد منهم من طريق صحيح معروف أن متبرِّكا تبرك به على أحد تلك الوجوه أو نحوها، بل اقتصروا فيهم على الاقتداء بالأفعال والأقوال والسِّيَر التي اتبعوا فيها النبي صلى الله عليه وسلم، فهو إذاً إجماع منهم على ترك تلك الأشياء كلها " انتهى من "الاعتصام" (١/٤٨٢) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " ولا أحد يُتبرك بآثاره إلا محمد صلى الله عليه وسلم، أما غيره فلا يتبرك بآثاره، فالنبي صلى الله عليه وسلم يتبرك بآثاره في حياته، وكذلك بعد مماته إذا بقيت تلك الآثار، كما كان عند أم سلمة رضي الله عنها جُلجُل من فضة فيه شعرات من شعر النبي صلى الله عليه وسلم يستشفي بها المرضى، فإذا جاء مريض صبت على هذه الشعرات ماء ثم حركته ثم أعطته الماء، لكن غير النبي صلى الله عليه وسلم لا يجوز لأحد أن يتبرك بريقه، أو بعرقه، أو بثوبه، أو بغير ذلك، بل هذا حرام ونوع من الشرك " انتهى من "مجموع الفتاوى" (٢/١٠٧) .
ثانيا:
الواجب على صديقك أمران:
الأول: أن ينبه الناس ويحذرهم من هذا التبرك الممنوع، إذا كان يحسن ذلك ويستطيعه، وإلا فينبغي أن يستعين بأهل العلم، ليرشد الناس إلى الحق، ويدلهم على الصواب، ويحذرهم من الاعتقادات الفاسدة التي توقعهم في الشرك والبدعة.
الثاني: أن يتخلص من هذه الحنفية، بإزالتها أو قطع الماء عنها ونحو ذلك، وله أسوة في عمر رضي الله عنه، حين قطع شجرة الحديبية لما بلغه أن قوما يصلون عندها.
قال الشاطبي رحمه الله: " وقال ابن وضاح: سمعت عيسى بن يونس مفتي أهل طرسوس يقول: أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه بقطع الشجرة التي بويع تحتها النبي صلى الله عليه وسلم، فقطعها؛ لأن الناس كانوا يذهبون فيصلون تحتها، فخاف عليهم الفتنة " انتهى من "الاعتصام" (١/٤٤٨) .
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " وجدت عند ابن سعد بإسناد صحيح عن نافع أن عمر بلغه أن قوما يأتون الشجرة فيصلون عندها فتوعدهم، ثم أمر بقطعها فقطعت " انتهى من "فتح الباري" (٧/٥١٣) .
ثالثا:
ما أخذه من هذا المال، فلا حرج عليه فيه؛ لأنه مال بذله أصحابه عن رضى، ولا مالك له، فجاز له أخذه. لكن لا يجوز له إقرار المنكر ليأخذ المال، بل يلزمه كما سبق: البيان وإزالة هذا المنكر.
وقد جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (٢٣/٢٢٧) فيما يتعلق بالاستفادة من الأشياء المنذورة للأولياء والصالحين، ما نصه: " ... وأما إن كان المنذور للأولياء والصالحين غير الذبائح، من خبز وتمر وحمص وحلوى ونحو ذلك مما لا يتوقف حل أكله على الذبح أو النحر، فينبغي ترك توزيعه على الناس لما في ذلك من ترويج البدع والتعاون على انتشارها والمشاركة في مظاهر الشرك وإقرارها، لكنها في حكم الأموال التي أعرض عنها أهلها وتركوها لمن شاء أخذها، فمن أخذ شيئا منها فلا حرج عليه " انتهى.
والله أعلم.
الْمَصْدَرُ
الإسلام سؤال وجواب