إلا أن يعزب عنها الماء فيكون حكمها التيمم.
ومعنى قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- والصحابة في ذلك كذلك. فصارت الأمة مجمعة على تطهير الحائض والنفساء بالماء بعد انقطاع الدم وتبيان النقاء.
واختلفوا في حكم المستحاضة كيف تتطهر، أتغتسل أم تتوضأ.
وأجمعوا أن حكمها حكم الطاهر في الصلاة وغشيان الزوج، إلا أن الدم حدث منها.
وصح عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، أنه قال: "ذلك عِرقٌ وليس بالحيض".
فلما قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ذلك، وأنه ليس بحيض: تبين في هذا القرآن أن طهارتها بالوضوء جائز، وحكمه كحكم الرعاف والجروح وما أشبهها.
فالمستحاضة طاهرة في أمورها، تصلي وتصوم وتطوف بالبيت وتدخله ويغشاها زوجها.
أجمع أهل العلم على ذلك، إلا الغشيان خاصة.
قال بعضهم: لا يغشاها زوجها، ولم نجد حُجةً لقائل هذا لما قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنه عرق وليس بالحيضة".
فكان هذا رخصة؛ إذا صير حكم ذلك غير حكم الحيض، حيث قال: إنه عرق وليس بالحيض، وإنما قال اللَّه عز وجل اعتزلوا الناس في المحيض، فحكم الحائض والنفساء غير حكم الاستحاضة.
مع أن الأكثرين على غشيانها، فإذا استحيضت فجاءها وقت الصلاة أجلست وتنظفت لكيلا يغلبها الدم، وتثفر بثوب وتوضأت وصلَّت. فإن غلبها حتى يسيل على الثوب، فقدرت على دفع ذلك وإلا فلا شيء عليها؛ لما سن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن تُصلي وإن قطر الدم على الحصير قطرًا ولا غسل عليها في ثيابها إلا ما أمكنها من منعه، ليس عليها غير ذلك؛ قال اللَّه تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} البقرة: ٢٨٦.
ومما يوضح أمر المستحاضة: أنه على ما وصفنا فعل عمر رضي اللَّه عنه، حيث صلي وجرحه يثعب دمًا. وفعل زيد بن ثابت، حيث سلسل البول منه فكان يداويه ما استطاع، فإذا غلبه توضأ ولا يبالي ما أصاب ثوبه، وأشباه ذلك كثير