ومسلم في صحيحه ٣/١٥٢٩، كتاب الصيد والذبائح، باب الصيد بالكلاب المعلّمة برقم: ١٩٢٩.
في الحديث تحريم أكل الصيد الذي أكل الكلب منه، ولو كان الكلب معلّماً.
وقد علّل في الحديث بالخوف من أنّه "إنّما أمسك على نفسه"، انظر: فتح الباري ٩/٦٠١.
وجاء عن أبي ثعلبة الخشني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في صيد الكلب: "إذا أرسلت كلبك، وذكرت اسم الله، فكل، وإن أكل منه، وكلّ ما ردت عليك يداك".
رواه أبو داود في سننه ٣/١٠٩، كتاب الصيد برقم: ٢٨٥٢ من طريق بسر بن عبيد الله، عن أبي إدريس الخولاني عن أبي ثعلبة الخشني فقد رتب إباحة الأكل على شيئين فقط هما: الإرسال، وذكر اسم الله تعالى، وبهما يحلّ الصيد، وإن أكل منه الكلب، فاللفظ صريح في الجواز. انظر: أحكام الصيد للدكتور عبد الله بن محمد الطريقي ص١٢٥.
قال ابن حجر: لا بأس بسنده. فتح الباري ٩/٦٠٢.
وقال الزيلعي: قال في التنقيح: إسناده حسن. نصب الراية ٤/٣١٢.
وقال ابن كثير بعد أن ذكر الحديث، وآخر شاهداً له، وساق سندهما، قال: وهذان إسنادان جيّدان. تفسير ابن كثير ٢/١٧.
قال الشوكاني رحمه الله: في إسناده داود بن عمرو الأودي الدمشقي عامل واسط قال أحمد بن عبد الله العجلي: ليس بالقوي. وقال أبو حاتم: هو شيخ، وقال يحيى بن معين: ثقة، وقال أبو زرعة: لا بأس به، وقال ابن عديّ: لا أرى برواياته بأساً.
قال ابن كثير: وقد طعن في حديث أبي ثعلبة، وأجيب بأنه صحيح لا شك فيه. نيل الأوطار ٩/٩.
وقال ابن حجر في التقريب: داود بن عمرو الأودي الدمشقي عامل واسط صدوق يخطئ. تقريب التهذيب ص٩٦.
ورواية الصدوق الذي يخطئ لا تقبل إذا انفرد بها، وقد توبع من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه، ذكره ابن كثير في تفسيره، وسلك الناس في الجمع بين الحديثين طرقاً.
منها للقائلين بالتحريم: حمل حديث أبي ثعلبة على ما إذا قتله وخلاه، ثم عاد فأكل منه.
ومنها: الترجيح. فرواية عديّ في الصحيحين متّفق على صحتها، ورواية أبي ثعلبة المذكورة في غير الصحيحين مختلف في تضعيفها.
وأيضاً فرواية عديّ صريحة مقرونة بالتعليل المناسب للتحريم، وهو خوف الإمساك على نفسه متأيدة بأن الأصل في الميتة التحريم، فإذا شككنا في السبب المبيح، رجعنا إلى الأصل.
ومنها للقائلين بالإباحة: حمل حديث عديّ على كراهة التنزيه، وحديث أبي ثعلبة على بيان الجواز.
فتح الباري ٩/٦٠٢، ونيل الأوطار ٩/٧.
وحمل بعضهم الجواز على ما إذا طال غياب الرجل عن الصيد، وجاع الكلب، فأكل، فإنه إنما أمسك على صاحبه، وأكله كان طارئاً.
قال ابن كثير في التفسير (٢/١٧) : وهذا تفريق حسن، وجمع بين الحديثين صحيح. والذي يظهر، أنه إذا دلت القرائن على أن الكلب لا يأكل من الصيد في الأوقات العادية، وأنه إنما أكل لحاجته لطول المدة ونحوها، إن ذلك لا يحرم أكل صيده.
وقوله في الحديث "فإنّي أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه" قد يفهم منه هذا المعنى، فإذا كان من عادة الكلب أن يأكل فلا تحلّ، وإن كان من عادته أن لا يأكل، فأكل لما ذكر حل صيده. والله أعلم.
وممن أباح صيد الكلب وإن أكل منه: سلمان الفارسي، وسعد بن أبي وقّاص، وأبو هريرة، وابن عمر، وهو محكي عن علي وابن عبّاس، واختلف فيه عن عطاء، والحسن البصري، وهو قول الزهري وربيعة ومالك.
وإليه ذهب الإمام الشافعي في القديم، وأومأ إليه في الجديد، وهي رواية مرجوحة عن الإمام أحمد.
انظر: تفسير ابن كثير ٢/١٧، والمغني ٨/٥٤٣-٥٤٤، ومصنّف عبد الرزّاق ٤/٤٧٣-٤٧٤، ومصنّف ابن أبي شيبة ٥/٣٥٧-٣٥٨، والمحلى ٧/٤٧١، والمجموع ٩/١٠٤-١٠٧، والكافي لابن عبد البرّ ١/٣٧٢ والمهذب للشيرازي ١/٣٣٧.