وإن وُجِدَ مع إحْدَى الغَسَلاتِ فهو جِنْسٌ آخَرُ، فيُجْمَعُ بين الْخَبرَيْن.
وقال أبو حنيفة: لا يجبُ العدَدُ في شيءٍ من النجاسات، وإنما يُغْسَلُ حتى يَغْلِبَ على الظَّنِّ نَقاؤُه من النجاسة؛ لأنَّه رُوِىَ عن النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال في الكلب يَلِغُ في الإِناء: "يُغْسَلُ ثَلَاثًا، أَوْ خَمْسًا، أَوْ سَبْعًا" (٣) فلم يُعَيِّنْ عَدَدًا. ولأنها نجاسةٌ، فلم يجبْ فيها العَدَدُ، كما لو كانتْ علَى الأرض.
ولنا ما رَوَىَ أبو هُرَيْرة أنَّ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال: "إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ في إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعًا". مُتَّفَقٌ عليه، ولمُسلم، وأبي داود: "أُولَاهُنَّ بالتُّرَابِ". وحديثُ عبد اللَّه بن الْمُغَفَّلِ، الذي ذكرْناه. وحديثُهم (٤) يَرْويه عبدُ الوَهَّاب بنِ الضَّحَّاك، وهو ضعيفٌ (٥). وقد روَى غيرهُ من الثِّقات: "فَلْيَغْسِلَهُ سَبْعًا". وعلَى أنه يَحْتَمِلُ الشَّكَّ مِن الرَّاوِى، فينْبَغىِ أن يُتَوَقَّفَ فيه، ويُعْمَلَ بغيرهِ. وأمَّا الأرضُ فإنهَّ سُومِحَ في غَسْلِها للمَشَقَّة، بخلافِ غيرها.
فصل: فإن جَعل مَكانَ التُّرابِ غيرَه؛ من الأُشْنان، (٦) والصَّابون، والنُّخالة (٧)، ونحوِ ذلك، أو غسَله غَسلْةً ثامنةً، فقال أبو بكر: فيه وجهان:
أحدهما، لا يُجْزِئُه؛ لأنَّه طهارةٌ أُمِرَ فيها بالتُّرابِ، فلم يقُمْ غيرُه مَقامَهُ، كالتَّيَمُّمِ، ولأنَّ الأمرَ به تَعَبُّدٌ غيرُ معقولٍ، فلا يجوزُ القِياسُ فيه.
والثانى يُجْزِئُه؛ لأنَّ هذه الأشياءَ أبْلَغُ من الترابِ في الإِزالةِ، فنَصُّه علَى الترابِ
(٣) أخرجه الدارقطني، في: باب ولوغ الكلب في الإِناء، من كتاب الطهارة ١/ ٦٥.
(٤) سقط من: م.
(٥) في حاشية م: "هذا غلط فقد رواه مسلم وغيره من طرق ليس عبد الوهاب هذا منها، بل هي مجمع على صحتها".
وعبد الوهاب هذا هو أبو الحارث عبد الوهاب بن الضحاك بن أبان السلمى العرضى الحمصى. انظر ترجمته في: ميزان الاعتدال ٢/ ٦٧٩، ٦٨٠، وتهذيب التهذيب ٦/ ٤٤٦ - ٤٤٨.
وانظر نصب الراية ١/ ١٣١. في تصحيح الحديث الآخر الذي رواه أبو هريرة.
(٦) الأشنان، بضم الهمزة والكسر لغة: معرب، يقال له بالعربية: الحُرْض. المصباح المنير.
(٧) النخالة: قشر الحب.