تَنْبِيهٌ عليها، ولأنه جامِدٌ أُمِرَ به في إزالةِ النجاسة، فأُلْحِقَ به ما يُماثِلُه كالحجَرِ في الِاسْتِجْمار.
فأمَّا الغَسْلَةُ الثامنةُ فالصحيحُ أنها لا تقومُ مَقامَ التراب؛ لأنَّه إنْ كان القَصْدُ به تَقْوِيةُ الماءِ في الإِزالةِ فلا يحصُل ذلك بالثامنة، لأنَّ الجمعَ بينهما أبْلَغُ في الإِزالةِ، وإن وجَب تَعَبُّدًا امْتنَع إبْدالُه، والقِياسُ عليه.
وقال بعضُ أصحابِنا: إنما يجوزُ العدُولُ إلى غيرِ الترابِ عندَ عَدَمِه، أو إفْسادِ المَحَلِّ المغْسولِ به، فأمَّا مع وُجودِه وعدمِ الضَّرَرِ به (٨) فلا. وهذا قَوْلُ ابن حامد (٩).
القسم الثاني؛ نَجاسةُ غيرِ الكلبِ والخنزير، ففيها رِوَايتان:
إحداهما، يجبُ العَدَدُ فيها قِياسًا علَى نجاسةِ الوُلوُغِ، ورُوِىَ عن ابن عمر، أنه قال: أُمِرْنا بغَسْلِ الأنْجاسِ سَبْعًا. فيَنْصَرِفُ إلى أمْرِ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-.
والثانية، لا يجبُ العَدَدُ، بل يُجْزِئُ فيها الْمُكاثَرةُ بالماء مِن غيرِ عَدَدٍ، بحيث تزولُ عَيْنُ النجاسة. وهذا قَوْلُ الشافعىِّ؛ لما رُوِىَ عن ابن عمر، قال: كانتِ الصلاةُ خَمْسِين، والغُسْلُ مِن الجنابةِ سَبْعَ مَرَّاتٍ، والغَسْلُ مِن البَوْلِ سَبْعَ مَرَّات، فلم يزَلِ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يسْألُ حتى جُعِلَتِ الصلاةُ خَمْسًا، والغَسْلُ مِن البَوْلِ مَرَّةً، والغُسْلُ مِن الْجَنابةِ مَرَّةً" روَاه الإِمامُ أحمد، في "مُسْنَدِه" (١٠) وأبو داود. في "سُنَنِه" (١١). وهذا نَصٌّ، إلَّا أنَّ في رُواتِه أيُّوبَ بنَ جابرٍ، وهو ضعيفٌ، وقال النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِذَا أَصَابَ إِحْدَاكُنَّ الدَّمُ مِنَ الْحَيْضَةِ فَلْتَقْرِصْهُ، ثُمَّ لِتَنْضَحْهُ بِمَاءٍ، ثُمَّ لِتُصَلِّ فِيهِ". روَاه البُخارِىُّ (١٢)، ولم يأْمُرْ فيه بعَدَدٍ، وفي حديثٍ آخر، أنَّ امْرَأَةً
(٨) سقط من: م.
(٩) أبو عبد اللَّه الحسن بن حامد بن على البغدادي، إمام الحنبلية في زمانه ومدرسهم ومفتيهم، صاحب المصنفات، المتوفى سنة ثلاث وأربعمائة. تاريخ بغداد ٧/ ٣٠٣، طبقات الحنابلة ٢/ ١٧١ - ١٧٧.
(١٠) انظر: الفتح الربانى ٢/ ١٩٨.
(١١) في: باب في الغسل من الجنابة، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود ١/ ٥٧.
(١٢) تقدم في صفحة ١٧.