بِدَلِيلِ قولِ النبىِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "والثُّلُثُ كَثِيرٌ" (٢٨). وقيل: بالسُّدُسِ، وقِيلَ: ما لا يَتَغابَنُ النَّاسُ به فى العادَةِ؛ لأنَّ ما لا يَرِدُ الشَّرْعُ به (٢٩) يُرْجَعُ فيه إلى العُرْفِ.

فصل: وإذا وَقَعَ البَيْعُ على غير مُتَعَيِّنٍ (٣٠)، كَقَفِيزٍ (٣١) من صُبْرَةٍ (٣٢)، ورِطْلِ زَيْتٍ من دَنٍّ، فَمُقْتَضَى قوْلِ الخِرَقِىِّ، إذا تَفَرَّقَا من غير فَسْخٍ، لم يَكُنْ لأحَدِهِما رَدُّه، إلَّا بِعَيْبٍ أو خِيارٍ؛ لأنَّ البَيْعَ هاهنا يَلْزَمُ بالتَّفَرُّقِ، سَواء تَقَابَضا أو لم يَتَقابَضا. وقال القاضِى: البيعُ لا يَلْزَمُ إلَّا بِالقَبْضِ، كالَمَكِيلِ والمَوْزُونِ. وهذا تَصْرِيحٌ بأنَّه لا يَلْزَمُ قبلَ قَبْضِه. وذَكَر فى مَوْضِعٍ آخَرَ، من اشْتَرَى قَفِيزَيْنِ من صُبْرَتَيْنِ، فَتَلِفَتْ إحْداهُما قَبل القَبْضِ، بَطَلَ العَقْدُ فى التَّالِفِ دون الباقِى، روايَةً وَاحِدَةً، ولا خِيارَ لِلْبائِعِ. وهذا يَدُلُّ على اللُّزُومِ فى حَقِّ البائِعِ قبلَ القَبْضِ، فإنَّه لو كان جائِزًا كان له الخِيارُ، سَواءٌ تَلِفَتْ إحْداهُما أَو لم تَتْلَفْ، وَوَجْهُ الجَوازِ، أنَّه مَبِيعٌ لا يَمْلِكُ بَيْعَه، ولا التَّصَرُّفَ فيه، فكان البَيْعُ فيه جائِزًا كما قبلَ التَّفَرُّقِ، ولأنَّه لو تَلِفَ لَكان من ضَمانِ

(٢٨) أخرجه البخارى، فى: باب رئى النبى -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سعيد بن خولة، من كتاب الجنائز، وفى: باب أن يترك ورثته أغنياء خير من أن يتكففوا الناس، وباب الوصية بالثلث، من كتاب الوصايا، وفى: باب قول النبى -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اللهم أمض لأصحابى هجرتهم. . .، من كتاب مناقب الأنصار، وفى: باب فضل النفقة على الأهل. . .، من كتاب النفقات، وفى: باب وضع اليد على المريض، وباب قول المريض إنى وجع أو وا رأساه أو اشتد بى الوجع، من كتاب المرضى، وفى: باب الدعاء برفع الوباء والوجع، من كتاب الدعوات، وفى: باب ميراث البنات، من كتاب الفرائض. صحيح البخارى ٢/ ١٠٣، ٤/ ٣، ٤، ٥/ ٨٧، ٧/ ١٥٣، ١٥٥، ٨/ ٩٩، ١٨٧. ومسلم، فى: باب الوصية بالثلث، من كتاب الوصية. صحيح مسلم ٣/ ١٢٥٠، ١٢٥٢، ١٢٥٣. وأبو داود، فى: باب ما جاء فيما يجوز للموصى فى ماله، من كتاب الوصايا. سنن أبى داود ٢/ ١٠١. والترمذى، فى: باب ما جاء فى الوصية بالثلث والربع، من أبواب الجنائز، وفى باب ما جاء فى الوصية بالثلث، من أبواب الوصايا. عارضة الأحوذى ٤/ ١٩٧، ١٩٨، ٨/ ٢٦٨، ٢٦٩. والنسائى، فى: باب الوصية بالثلث، من كتاب الوصايا. المجتبى ٦/ ٢٠١. وابن ماجه، فى: باب الوصية بالثلث، من كتاب الوصايا. سنن ابن ماجه ٢/ ٩٠٤. والإمام مالك، فى: باب الوصية بالثلث لا تتعدى، من كتاب الوصية. الموطأ ٢/ ٧٦٣.
(٢٩) فى م: "بتحديده".
(٣٠) فى م: "معين".
(٣١) القفيز: مكيال يكال به، يعادل حاليا ستة عشر كيلو جراما.
(٣٢) الصبرة: الكومة من الطعام.