بما يَضُرُّ به، فلم يَجُزْ، كنَقْضِه. ولا يجُوزُ له فِعْلُ شىءٍ من ذلك فى حَائِطِ جَارِه بِطَرِيقِ الأوْلَى؛ لأنَّه إذا لم يَجُزْ فيما له فيه حَقٌّ، ففيما لا حَقَّ له فيه أَوْلَى. وإن صَالَحَهُ عن ذلك بِعِوَضٍ، جَازَ. وأمَّا الاسْتِنَادُ إليه، وإسْنَادُ شىءٍ لا يَضُرُّهُ إليه، فلا بَأْسَ به؛ لأنَّه لا مَضَرَّةَ فيه، ولا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ منه، أشْبَه الاسْتِظْلَالَ به.

فصل: فأمَّا وَضْعُ خَشَبِهِ عليه، فإن كان يَضُرُّ بالحائِطِ لِضَعْفِه عن حَمْلِه، لم يَجُزْ، بغيرِ خِلَافٍ نَعْلَمُه؛ لما ذَكَرْنَا، ولقولِ رسولِ اللَّه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لا ضَرَرَ ولا ضِرَارَ" (٨٧). وإن كان لا يَضُرُّ به، إلَّا أنَّ به غنْيَةً عن وَضْعِ خَشَبِهِ عليه، لِإمْكَانِ وَضْعِه على غيرِه، فقال أكثَرُ أصْحَابِنا: لا يجوزُ أيضا. وهو قول الشَّافِعِىِّ، وأبى ثَوْرٍ. لأنَّه انْتِفَاعٌ بمِلْكِ غيرِه بغيرِ إِذْنِه من غيرِ حَاجَةٍ، فلم يَجُزْ، كبِنَاءِ حَائِطٍ عليه. وأشَارَ ابنُ عَقِيلٍ إلى جَوَازِه؛ لما رَوَى أبو هُرَيْرَةَ، أنَّ رسولَ اللَّه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "لا يَمْنَعُ أحَدُكُمْ جَارَهُ أنْ يَضَعَ خَشَبَه عَلَى جِدَارِه". مُتَّفَقٌ عليه (٨٨). ولأنَّ ما أُبِيحَ للحَاجَةِ العَامَّةِ لم يُعْتَبَرْ فيه حَقِيقَةُ الحاجَةِ (٨٩)، كأَخْذِ الشِّقْصِ بالشُّفْعَةِ من المُشْتَرِى، والفَسْخِ بالخِيَارِ أو بالعَيْبِ، واتِّخَاذِ الكَلْبِ لِلصَّيْدِ، وإبَاحَةِ السَّلَمِ، ورُخَصِ السَّفَرِ، وغيرِ ذلك. فأمَّا إن دَعَتِ الحاجَةُ إلى وَضْعِه على حَائِطِ جَارِه، أو الحائِطِ المُشْتَرَكِ، بحيثُ لا يُمْكِنُه التَّسْقِيفُ بدُونِه، فإنَّه يجوزُ له وَضْعُه بغيرِ إِذْنِ الشَّرِيكِ. وبهذا قال الشَّافِعِىُّ فى القَدِيمِ.

(٨٧) فى الأصل، ب: "إضرار". وتقدم تخريج الحديث فى: ٤/ ١٤٠.
(٨٨) أخرجه البخارى، فى: باب لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبة فى جداره، من كتاب المظالم، وفى: باب الشرب من فم السقاء، من كتاب الأشربة. صحيح البخارى ٣/ ١٧٣، ٧/ ١٤٥. ومسلم، فى: باب غرز الخشب فى جدار الجار، من كتاب المساقاة. صحيح مسلم ٣/ ١٢٣٠.
كما أخرجه أبو داود، فى: باب أبواب من القضاء، من كتاب الأقضية. سنن أبى داود ٢/ ٢٨٣. والترمذى، فى: باب فى الرجل يضع على حائط خشبا، من أبواب الأحكام. عارضة الأحوذى ٦/ ١٠٥. وابن ماجه، فى: باب الرجل يضع خشبة على جدار جاره، من كتاب الأحكام. سنن ابن ماجه ٢/ ٧٨٣. والإمام مالك، فى: باب القضاء فى المرفق، من كتاب الأقضية. الموطأ ٢/ ٧٤٥. والإمام أحمد، فى: المسند ٢/ ٢٤٠، ٢٧٤.
(٨٩) سقط من: أ. نقلة نظر.