الحَسَنُ، وأبو قِلَابَةَ، والشافِعِيُّ، وأبو ثَوْرٍ، وأصْحابُ الرَّأْىِ؛ لأنَّ الحُكْمَ لا يجوزُ برُؤْيَةِ خَطِّ الشاهِدِ بالشَّهَادَةِ بالإِجْماعِ، فكذا ههُنا، وأبْلَغُ من هذا أنَّ الحاكِمَ لو رَأَى حُكْمَه بخَطِّه تَحْتَه (٢) خَتْمُه، ولم يَذْكُرْ أنه حَكَمَ به، أو رَأَى الشاهِدُ شَهَادَته بخَطِّه، ولم يَذْكُر الشّهَادَةَ، لم يَجُزْ لِلْحاكِمِ إنْفَاذُ الحُكْمِ بما وَجَدَه، ولا لِلشَّاهِدِ الشّهَادَةُ بما رَأَى خَطَّه به، فههُنا أَوْلَى. وقد نَصَّ أحمدُ على هذا في الشَّهادَةِ. ووَجْهُ قولِ الخِرَقِيِّ، قولُ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَا حَقُّ (٣) امْرِئٍ مُسْلِمٍ، لَهُ شَىْءٌ يُوصِى فِيهِ، يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ، إلَّا وَوَصِيَّتُه مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ" (٤). ولم يَذْكُرْ شَهادةً (٥). وما ذَكَرْناه في الفَصْلِ (٦) الذي يَلِى هذا، ولأنَّ الوَصِيّةَ يُتَسَامَحُ فيها، ولهذا صَحَّ تَعْلِيقُها على الخَطَرِ والغَرَرِ، وصَحَّتْ لِلْحَمْلِ، وبه (٧)، وبما لا يُقْدَرُ على تَسْلِيمِه، وبالمَعْدُومِ والمَجْهُولِ، فجازَ أن يُتَسَامَحَ فيها بِقَبُولِ الخَطِّ، كرِوَايةِ الحَدِيثِ.

فصل: وإن كَتَبَ وَصِيَّتَه، وقال: اشْهَدُوا علىَّ بما في هذه الوَرَقَةِ. أو قال: هذه وَصِيَّتِى، فاشْهَدُوا علىَّ بها. فقد حُكِى عن أحمدَ، أنَّ الرَّجُلَ إذا كَتَبَ وَصِيَّتَه، وخَتَمَ عليها، وقال للشُّهُودِ: اشْهَدُوا عَلىَّ بما في هذا الكِتَابِ. لا يجوزُ حتى يَسْمَعُوا منه ما فيه، أو يُقْرَأَ عليه فيُقِرَّ بما فيه. وهو قولُ مَنْ سَمَّيْنَا في المَسْأَلةِ الأُولَى. ويَحْتَمِلُ كَلَامُ الخِرَقِيِّ جَوَازَه؛ لأنَّه إذا قُبِلَ خَطُّه المُجَرَّدُ، فهذا أَوْلَى. وممَّن قال ذلك عبدُ المَلِكِ بن يَعْلَى (٨)، ومَكْحُولٌ، ونُمَيْرُ بن إبْراهيمَ (٩)، ومالِكٌ، واللَّيْثُ، والأَوْزاعِيُّ،

(٢) في الأصل، أ: "تحت".
(٣) في م: "من".
(٤) تقدم تخريجه في صفحة ٣٨٩.
(٥) في أ، ب، م: "شهادته".
(٦) في أ، م زيادة: "الأول".
(٧) سقطت الواو من: م.
(٨) عبد الملك بن يعلى الليثي، قاضى البصرة، روى عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مرسلا، وعن عمران بن حصين، ثقة، توفى سنة مائة. تهذيب التهذيب ٦/ ٤٢٩.
(٩) لم نجد نمير بن إبراهيم. ولعل المقصود نمير بن أوس الأشعري، قاضى دمشق، معاصر مكحول. انظر: أخبار القضاة لوكيع ٣/ ٢٠٤ - ٢٠٦. الإكمال ٧/ ٣٦٣.