أقْوَى، ولذلك إذا عَجَزَتِ الصَّدقةُ عن أَجْرِه, تُمَّمَ له من بيتِ المالِ, ولأنَّ ما يأخُذُه أجرٌ. وقد قال النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَعْطُوا الْأَجِيرَ أجْرَه قبْلَ أنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ" (١٩). ثم بالأهَمِّ فالأهَمِّ، وأهَمُّهم أشَدُّهم (٢٠) حاجةً، فإن كانت الصَّدقةُ تَفِى بحاجةِ جميعِهِم, أَعْطَى كلَّ إنسانٍ منهم قَدْرَ ما يَدْفَعُ به حاجَتَه, فيُعطِى الفقيرَ ما يُغْنِيه, وهو ما تَحْصُلُ له به الكفايةُ فى عامهِ ذلك، له ولعِيالِه، ويُعْطِى المسكينَ ما تَتِمُّ به الكِفايةُ, إلَّا أن يُعطِيَه من الذَّهَبِ أو الوَرِقِ (٢١)، ففيه رِوَايتان؛ إحْداهما؛ يُعْطِيه (٢٢) ما تَتِمُّ به الكفايةُ, والثانية، لا يَزِيدُه (٢٣) على خَمْسينَ دِرْهمًا, أو قِيمَتِها من الذَّهَبِ, إلَّا أن يكونَ له عِيالٌ، فيَدْفَعَ إليه لكلِّ واحدٍ منهم خمسينَ درهمًا, ويدفعَ إلى العاملِ قَدْرَ أجْرِه, وإلى الغارمِ ما يَقْضِى به غُرْمَه، وإلى المُكاتَبِ ما يُوفِى (٢٤) كِتابَتَه, والغازِى يُعْطَى ما يَحْتاجُ إليه لمُؤْنةِ غَزْوِه، وابنُ السَّبِيلِ ما يُبَلِّغُه إلى بَلَدِه. وإن نَقَصَتِ الصَّدقةُ عن كِفَايَتِهِم, فَرَّقَ فيهم على حسَب ما يَرَى. ويُسْتَحَبُّ أن لا يَنْقُصَ من كلِّ صنفٍ عن أقَلَّ من ثلاثةٍ؛ لأنَّهم أقلُّ الجَمْعِ، إلَّا العاملَ، فإنَّه يكونُ واحدًا. وإن فَضَلَتِ الصَّدَقةُ عن كِفَايَتِهِم, نَقَلَ الفاضِلَ إلى أقْرَبِ البلادِ إليه. وإن كان المُتَوَلِّى لتَفْريقِها رَبُّها, فيُسْتَحَبُّ أن يَبْدأ بأهْلِها من أهْلِه، ويُفَرِّقَها فى الأَهَمِّ فالأهمِّ، وهو من اشْتَدَّتْ حاجَتُه, وقَرُبَ منه نَسَبُه، ويُعْطِى مَنْ أمْكَنَه.
فصل: وإن اجْتَمعَ فى واحدٍ سَبَبانِ، يجوزُ الأخْذُ بكلِّ واحدٍ منهما مُنْفَرِدًا, كالفقيرِ الغارِمِ، أُعْطِىَ بهما جميعًا، فيُعْطَى ما يَقْضِى (٢٥) غُرْمَه, ثم يُعْطَى ما يُغْنِيه؛ لأنَّ
(١٩) تقدم تخريجه فى: ٨/ ١٧.
(٢٠) فى م: "أشد".
(٢١) فى أ، ب: "والورق".
(٢٢) سقط من: ب.
(٢٣) فى م: "يزيد".
(٢٤) فى م زيادة: "به".
(٢٥) فى أزيادة: "به".