مَجازًا. والثَّانى، أَنَّ الطَّلاقَ لفظٌ صريحٌ، فلم يَفْتَقِرْ إلى نِيَّةٍ، كالمُتَصَرِّفِ منه، وهو مُستَعْمَلٌ فى عُرفِهم، قال الشَّاعرُ (٢١):
أنَوَّهْتِ باسْمِىَ فى العالَمِينَ ... وأفْنَيْتِ عُمْرِىَ عامًا فعامَا (٢٢)
فأنتِ الطَّلاقُ وأنتِ الطَّلاقُ ... وأنتِ الطَّلاقُ ثلاثًا تَمامَا
وقولهم: إنه مجازٌ. قُلْنا: نعم، إلَّا أنَّه (٢٣) يتعيّنُ (٢٤) حملُه على الحقيقةِ، ولا مَحْمَلَ له يَظهرُ سِوَى هذا المحملِ، فتَعَيَّنَ فيه.
فصل: وصريحُ الطَّلاقِ بالعَجَمِيَّةِ بهشتم، فإذا أتى بها العَجمِىُّ، وقعَ الطَّلاقُ منه بغيرِ نِيَّةٍ. وقال النَّخَعِىُّ، وأبو حنيفةَ: هو كنايةٌ، لا يُطلّقُ به إلا بِنِيَّةٍ؛ لأنَّ معناه خَلَّيْتُك، وهذه اللَّفظةُ كنايةٌ. ولَنا، أَنَّ هذه اللَّفظةَ بلسانِهم موضوعةٌ للطَّلاقِ، يَسْتعملونَها فيه، فأشبهَتْ لفظَ الطَّلاقِ بالعربيَّةِ، ولو لم تكُنْ هذه صريحةً، لم يكُنْ فى العجميَّةِ صريحٌ للطَّلاقِ، وهذا بعيدٌ، ولا يَضُرُّ كونُها (٢٥) بمعنى خَلَّيْتُكِ، فإنَّ معنى طلَّقتُك خَلَّيْتُك أيضًا، إلّا أنَّه لمَّا كان موضوعًا له، يُسْتعمَلُ فيه، كان صَرِيحًا، كذا هذه. ولا خلافَ فى أنَّه إذا نَوَى بها الطَّلاقَ، كانت طلاقًا، كذلك قال الشَّعْبِىُّ، والنَّخَعِىُّ، والحَسَنُ، ومالكٌ، والثَّوْرِىُّ، وأبو حنيفةَ، وزُفَرُ، والشَّافعىُّ.
١٢٥٨ - مسألة؛ قال: (وَإِذَا قَالَ لَهَا فِى الْغَضَبِ: أَنْتِ حُرَّةٌ، أَوْ لَطَمَهَا، فَقَالَ: هَذَا طَلَاقُكِ. فَقَدْ وَقَعَ الطَّلَاقُ)
الكلامُ فى هذه المسألةِ فى فصلينِ:
أحدُهما: فى أَنَّ هذا اللَّفظَ كنايةٌ فى الطَّلاقِ، إذا نَواه به وقعَ، ولا يَقعُ مِن غيرِ نِيَّةٍ،
(٢١) نسبهما ابن قتيبة إلى أعرابى قالهما فى امرأته. عيون الأخبار ٤/ ١٢٧.
(٢٢) فى ب، م: "نوهت".
(٢٣) سقط من: ب، م.
(٢٤) فى ب، م: "يعتذر".
(٢٥) فى ب، م: "كونهما".