يأكلون معه من طعامه، وكان منزله الأصلى بقاسيون، فينصرف بعض الليالى بعد العشاء إلى الجبل.
وذكر الذهبي أن الموفق بقى يجلس زمانا بعد الجمعة للمناظرة، ويجتمع إليه الفقهاء، وكان يُشْغِل إلى ارتفاع النهار، ومن بعد الظهر إلى المغرب، ولا يضجر، ويسمعون عليه، وكان يقرىء في النحو، وكان لا يكاد يراه أحد إلا أحبه. زاد ابن رجب: وربما قرأ عليه بعد المغرب وهو يتعشى.
قال الصفدى: وكان أوحد زمانه، إماما في علم الخلاف والفرائض والأصول والفقه والنحو والحساب والنجوم السيارة والمنازل، واشتغل عليه الناس مدة بـ "الخرقى"، و"الهداية"، ثم بـ "مختصر الهداية" الذي له بعد ذلك، واشتغلوا عليه بتصانيفه.
وكان الشيخ الموفق شديد الاحتمال للأذى، ولا يناظر أحدًا إلا وهو يتبسم، وقيل: إنه ناظر ابن فضلان الشافعي الذي كان يضرب به المثل في المناظرة، فقطعه.
ونقل الذهبي عن الضياء المقدسى: سمعت المفتى أبا بكر محمد بن معالى بن غنيمة يقول: ما أعرف أحدا في زماننا أدرك درجة الاجتهاد إلا الموفّق.
أما صفاته الخَلْقية فقد كان، رحمه اللَّه، تامّ القامة، أبيض، مشرق الوجه، أدْعج، كأن النور يخرج من وجهه لحسنه، واسع الجبين، طويل اللحية، قائم الأنف، مقْرون الحاجبين، صغير الرأس، لطيف اليدين والقدمين، نحيف الجسم، ممتعا بحواسِّه.
وكان ذكيًّا، حسن التصرُّف، حُكِىَ عنه أنه كان يجعل في عمامته ورقة مصرورة، فيها رمل، يُرَمِّل به ما يكتبه للناس من الفتاوى والإِجازات وغيرها، فاتفق ليلة خُطِفتْ عمامتُه، فقال لخاطفها: يا أخى، خُذْ من العمامة الورقة المصرورة بما فيها، ورُدَّ العمامة أغطِّى بها رأسى، وأنت في أوْسع الحِلِّ مما في الورقة. فظن الخاطف أنها فضة، ورآها ثقيلة، فأخذها، وردَّ العمامة، وكانت صغيرة عتيقة، فرأى أخْذَ الورقة خيرا منها بدرجات، فخلَّص الشيخ عمامته بهذا الوجه اللطيف.
قال ضياء الدين المقدسى: وسمعت البهاءَ يصفه بالشجاعة، وقال: كان يتقدَّم إلى العدو، وجُرِح في كفِّه، وكان يُرامِى العدو.