فصل: فأما الْمُسْتَعْملُ في تَعَبُّدٍ مِن غيرِ حَدَثٍ، كغَسْلِ اليَديْن مِن نَوْمِ الليل، فإن قُلْنا: ليس ذلك بواجبٍ لم يُؤثِّر استعمالُه في الماء، وإن قُلْنا بِوجُوبِه، فقال القاضي: هو طاهِرٌ غيرُ مُطَهِّرٍ.
وذكر أبو الخطَّاب فيه روايتَيْن:
إحداهما؛ أنه يخرُج عن إطْلاقِه؛ لأنه مُسْتعمَلٌ في طهارةِ تَعَبُّدٍ، أشْبَهَ المستعملَ في رَفْعِ الحَدث، ولأنَّ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- نَهَى أن يَغْمِسَ القائمُ مِن نَوْمِ الليل يَدَهُ في الإِناءِ قبل غسلِها (٢٠). فدَلَّ ذلك على أنه يُفِيدُ مَنْعًا.
والرواية الثانية، أنه باقٍ علَى إطْلاقِه؛ لأنه لم يَرْفَعْ حَدَثًا، أشْبَهَ الْمُتَبَرَّدَ به، وعلَى قياسِه المستعْمَلُ في غَسْلِ الذَّكَرِ والأُنْثَيَيْن من الْمَذْىِ، إذا قُلْنا بوجُوبِه، لأنه في مَعْناهُ.
فصل: إذا انْغَمس الجُنُبُ أو المُحْدِثُ فيما دون القُلَّتَيْن ينْوِى رَفْعَ الحدَثِ صار مُسْتعمَلا، ولم يرتفِعْ حدَثُه.
وقال الشافعيُّ: يصير مُسْتعملًا ويرتفعُ حدَثُه؛ لأنه إنما يصيرُ مستعملا بارْتفاعِ حدَثِه فيه.
ولنا قولُ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَا يَغْتَسِلْ أحَدُكُمْ في الْمَاءِ الدَّائِمِ وهُوَ جُنُبٌ" رواه مسلم، والنَّهْىُ يقْتَضِى فسادَ المَنْهِىِّ (٢١) عنه، ولأنه بانْفِصَالِ أوَّلِ جزءٍ من الماءِ عن بدنِه صار الماء مستعمَلا، فلم يرفَعِ (٢٢) الحدثَ عن سائرِ البدن، كما لو اغْتسَل فيه (٢٣) شخصٌ آخرُ.
فإن كان الماءُ قُلَّتَيْن فصَاعِدًا ارْتفَع حدَثُه، ولم يتأثَّرْ به الماءُ؛ لأنه لا يَحْمِلُ الْخَبَثَ.
(٢٠) يأتى في صفحة ٤٠.
(٢١) في م: "المنتهى" تحريف.
(٢٢) في م: "يرتفع".
(٢٣) في الأصل: "به".