عنها لم يَكْفِ فيها المَسْحُ كالكَثِيرِ، ولأنَّه يَشُقُّ التَّحَرُّزُ منه، فَعُفِىَ عنه كالدَّمِ. ولَنا، عُمُومُ قَوْلِه تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} (١). وقَوْلُ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "تَنَزَّهُوا مِنَ الْبَوْلِ، فَإنَّ عَامَّة عَذَابِ القَبْرِ مِنْهُ" (٢). ولأنها نَجَاسَةٌ لا تَشُقُّ إزالتُها، فوَجَبَتْ إزالتُها كالكَثِيرِ، وأما الدَّمُ فإنه يَشُقُّ التَّحَرُّزُ منه، فإنَّ الإِنْسَانَ لا يكادُ يَخْلُو من بَثْرَةٍ أو حِكَّةٍ أو دُمَّلٍ، ويَخْرُجُ من أنْفِه وفِيهِ وغيرِهما، فَيَشُقُّ التَّحَرُّزُ من يَسِيرِهِ أكْثَرَ من كَثِيرِه، ولهذا فُرِّقَ في الوُضُوءِ بين قَلِيلِه وكَثِيرِه.

٢٢٥ - مسألة؛ قال: (إلَّا أنْ يَكُونَ ذلِكَ دَمًا أو قَيْحًا يَسِيرًا مِمَّا لَا يَفْحُشُ فِي القَلْبِ)

أكْثَرُ أهلِ العِلْمِ يَرَوْنَ العَفْوَ عن يَسِيرِ الدَّمِ والقَيْحِ. وممن رُوِىَ عنه؛ ابْنُ عَبَّاسٍ، وأبو هُرَيْرَةَ، وجابرٌ، وابنُ أبي أوْفَى (١)، وسعيدُ بنُ المُسَيَّبِ، وسعيدُ بنُ جُبَيْرٍ، وطاوُسٌ، ومُجَاهِدٌ، وعُرْوَةُ، ومحمدُ بنُ كُناسةَ (٢)، والنَّخَعِيُّ، وقَتَادَةُ، والأوْزَاعِيُّ، والشَّافِعِيُّ في أحَدِ قَوْلَيْه (٣)، وأصْحابُ الرَّأْىِ. وكان ابنُ عمرَ

= مسلم ١/ ٤٨٧. وأبو داود، في: باب التطوع على الراحلة والوتر، من كتاب السفر. سنن أبي داود ١/ ٢٧٩. والنسائي، في: باب الصلاة على الحمار، من كتاب المساجد. المجتبى ٢/ ٤٧. والإمام مالك، في: باب صلاة النافلة في السفر بالنهار والصلاة على الدابة، من كتاب السفر. الموطأ ١/ ١٥١. والإمام أحمد، في: المسند ٢/ ٧، ٤٩، ٥٧، ٨٣، ١٢٨, ٣/ ٤٩٥.
(١) سورة المدثر ٤.
(٢) ذكر السيوطي، في الجامع الكبير ١/ ٤٨٢ أن الدارقطني أخرجه عن قتادة عن أنس عن الحسن مرسلا، وأن عبد الحميد بن حميد أخرجه عن ابن عباس.
وهو عند الدارقطني في: باب نجاسة البول والأمر بالتنزه عنه، من كتاب الطهارة. سنن الدارقطني ١/ ١٢٧.
(١) تقدمت ترجمته في الجزء الأول، صفحة ٢٤٨.
(٢) في النسخ: "ابن كنانة" تحريف، وسيرد في الفصل الثاني، من هذه المسألة، وهو أبو يحيى محمد بن عبد اللَّه بن عبد الأعلى الأسدى، المعروف بابن كناسة، صدوق، ثقة، صالح الحديث، توفي سنة تسع ومائتين. تهذيب التهذيب ٩/ ٢٥٩، ٢٦٠.
(٣) سقط من: الأصل.