وقد استدعى الأستاذ البنا بعد مقتل النقراشي وحقق معه, ثم افرج عنه إذ لم تثبت أيه صلة له بالحادث.
والحادثة الثالثة: محاولة نسف محكمة الاستئناف التي كانت تضم أوراق قضايا الإخوان, وهو الحادث الذي أغضب الأستاذ البنا كثيرا وجعله يسارع بإصدار بيانه الشهير الذي نشرته الصحف وفيه يقول: “هؤلاء ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين! ”
والواقع أن الجماعة بعد حلها ليست مسؤولة عن مقل هذه الحوادث لأنها ليست موجودة حتى تساءل. ولم يحدث بعد ذلك أى حادث عنف إلا ما كان من محاولة موجودة حتى تساءل ولم يحدث بعد ذلك أى حادث عنف إلا ما كان من محاولة اغتيال عبد الناصر في ميدان المنشية بالإسكندرية في أكتوبر سنة ١٩٥٤ م, وهو حادث تكتنفه الشبهات من كل جانب, وقد شكك فيه بعض رجال الثورة أنفسهم مثل حسن التهامي.
ولو أخذنا الأمور علي ظواهرها فليست الجماعة مسؤولة عنه ولم يثبت في التحقيق أنها هى التي دبرته, وإنما هو من تدبير هنداوى دوير ومجموعته.
علي كل حال, هذا تاريخ ولم يثبت بعد ذلك أن الإخوان استخدموا العنف من سنة ١٩٥٤ م حتى اليوم رغم ما وقع عليهم من عسف وظلم وقتل علنى لقادتهم بحكم القضاء العسكرى, والتعليق علي أعواد المشانق مثل الشهداء: عبدالقادرعودة – محمد فرغلي – يوسف طلعت – إبراهيم الطيب , أو لشبابهم بحكم التحريش المثير داخل السجن كما في حادث سجن طره الشهير الذي قتل فيها السجانون مسجونيهم علانية, وسقط ثلاثة وعشرون شابا من خيرة الشباب شهداء في سبيل الله ولم يصنعوا جرما إلا أنهم طالبوهم بتحسين أحوالهم والسماح لذويهم أن يزورهم كبقية سجناء الدنيا.
وقد أعدم بعد ذلك: سيد قطب وعبدالفتاح إسماعيل, ومحمد يوسف هواش ولم يريقوا قطرة دم واحدة , إلا ما قيل: إنهم كانوا ينوون كذا وكذا.
واقتيد الإخوان بعشرات الألوف إلي السجون والمعتقلات وعذبوا تعذيبا لم يسبق له مثيل. ورغم توسط الكثيرين واحتجاج الكثيرين علي إعدام سيد قطب لم يستجب عبد الناصر لهم وأصر علي قتله.
وهناك الإخوان قتلوا تحت سياط التعذيب في السجن الحربي بعد أن سهر عليهم الجنود القساة يتعاورون عليهم واحد بعد الآخر, كلما تعب هذا من الجلد والإيذاء أخذ عنه صاحبه, فمن هؤلاء المعذبين من تحمل جسده, وإن بقى طوال عمره يعانى آثار العذاب ما يعانى ومنهم من نفذت طاقته, وعجز عن الاحتمال فخر قتيلا بين أيدى هؤلاء الوحوش وهم لا يبالون.
أعرف من هؤلاء صديقنا الشيخ محمد الصوابي الديب خريج كلية الشريعة وزميلنا في بعثة الإخوان المسلمون والأزهر للجهاد في القناة الذي احتيل عليه فجىء به مخلوف مفتى الديار المصرية عليه رحمه الله ولما سئل أخونا: اين قضى تلك الفترة قبل سفره إلي جدة رفض أن يبوح باسم الشيخ حتى لا يؤذى في شيخوخته وصبر علي العذاب حتى لقى ربه.
وقد كان كثيرون يطالبون الإخوان أن يأخذوا بثأرهم من الضباط الذين اشتهروا بتعذيبهم مثل حمزة البسيونى قائد السجن الحربي الذي كان يقول في صلف وغرور: لا قانون هنا: أنا وحدى القانون!. بل تطاول بجرأة ووقاحة علي مقام الألوهية, حين كان الإخوان يقولون تحت وطأة التعذيب: يا رب يا رب فيقول متبجحا: أين ربكم هذا؟ هاتوه لي, وأنا أحطه في زنزانة!!
هذا الطاغية تركه الإخوان ومن عاونه لقدر الله الأعلي, فسخر منه القدر حيث تحطمت سيارته في طريق الإسكندرية القاهرة وقطع جسمه أشلاء وقد عرف أهل القرية التي قتل أمامها ومزق شر ممزق: من هو صاحب السيارة, فكانوا يقولون: أخزاه الله لقى جزاء ما قدمت يداه.
المهم أن الإخوان لم يفكروا في الانتقام من ظالميهم, وتركوا الأمر لربهم ينتقم لهم إنه عزيز ذو انتقام وهو سبحانه يمهل ولا يهمل.
فسبحان الله جماعة بهذه الروح المتسامحة مع أقسى ظالميها كيف تتهم بالعنف أو بالإرهاب وهى منهما براء؟!!
مسؤولية الإخوان عن جماعات العنف
ومن التهم التي توجه إلي الإخوان باستمرار وتلوكها الألسنة والأقلام: أن (جماعات العنف) ظهرت من تحت عباءتهم, مثل جماعات (جماعة الجهاد) أو (الجماعة الإسلامية) و (جماعة التكفير) وغيرها من الجماعات التي نشأت في مصر واتخذت العنف نهجا لها وسبيلا لتحقيق أهدافها.
والحق الذي لا ريب فيه: أن بعض هذه الجماعات مثل (جماعة التكفير) تعتبر (انشقاقاً) علي الإخوان وليس (امتداد) للإخوان.
وقد بدأت بذور هذه الجماعة في السجن الحربي كما بينا كيف تسلسل تفكيرهم في كتابنا (الصحوة الإسلامية بين الجحود والتطرف) وانتهى بهم الأمر إلي (تكفير الناس بالجملة) ابتداء بالذين يتولون تعذيبهم بلا رحمة, ثم من يأمرهم بهذا التعذيب من الحكام, ثم من يسكت علي هؤلاء الحكام من الشعوب وقد اعتزلت هذه الفئة الإخوان في السجون, وكانوا لا يصلون معهم وقاموا بينهم وبين الإخوان جدل طويل, ورد عليهم مرشد الجماعة الثانى الأستاذ حسن الهضيبي رحمه الله في مقولات سجلها ونشرها بعد ذلك في كتابه (دعاة لا قضاة)
وقد نقلت فيما سبق أن شكري مصطفي أمير جماعة التكفير ومؤسسها أتهم قادة الإخوان بالخيانة العظمى لأنهم لم يقاوموا رجال الأمن والشرطة وسلموا جلود إخوانهم للسياط ورقابهم للمشانق.
فكيف يعتبر الإخوان مسؤولين عن هؤلاء الذين انشقوا عنهم واتهموهم بأبشع التهم؟
إن هذا أشبه بمن يحمل أمير المؤمنين علي بن أبى طالب رضى الله عنه وكرم الله وجهه وزر جماعة (الخوارج) الذين كانوا جنودا في جيشه ثم انشقوا عنه وخرجوا عليه ورموه بالكفر وتحكيم الرجال في دين الله ثم تآمروا عليه وقتلوه غيلة رضى الله عنه؟
هل يقبل عاقل هذا المنطق الأعوج؟ أن يحمل المرء تبعة من يخرج عنه ويتمرد عليه, وينصب له الحرب والعداء؟
هذا ما تتبناه للأسف الشديد – أجهزة الإعلام المصرية والعربية وتردده ولا تمله, وما يكرره كتاب علمانيون أو ماركسيون يعادون الإخوان بل يعادون رسالة الإسلام.
وأما (جماعة الجهاد) و (الجماعة االإسلامية) في مصر فليست انشقاقا من الإخوان بل هى جماعات نشأت من أول يوم احتجاجاً علي الإخوان وإنكارا عليهم أنهم خانوا (مبدأ الجهاد) الذي أعلنوه طريقا لهم وشعارا يتغنون به (الجهاد سبيلنا والموت في سبيل الله أسمى أمانينا) .
ويفسرون الجهاد باستخدام العنف في مقاومة الحكام الذين لا يحكمون بما أنزل الله باعتبار أن هذا كفر بواح فيها من الله برهان.
والإخوان لم يخونوا مبدأ الجهاد كما زعم هؤلاء ولكن (الجهاد) ليس معناه (القتال) بل الجهاد مراتب وأنواع أوصلها الإمام ابن القيم في كتابه الشهير (زاد المعاد) إلي ثلاث عشرة مرتبة واحدة منها فقط هى: قتال الكفار بالسيف وهذا له دوافعه وشروطه,:ما في جهاد إخواننا الأفغان ضد الغزو السوفيتى وإخواننا في البوسنة والهرسك ضد التوحش الصربى وكذلك إخواننا في كوسوفا الآن وغيرهم من المسلمين الذين يعانون من الاضطهاد الدينى والعنصرى في أنحاء الأرض وأعظم هذا الجهاد: هو جهاد إخواننا في فلسطين ضد العدوان الإسرائيلي المغتصب والإخوان حيثما كانوا – يؤيدون هذا اللون من الجهاد بأنفسهم وأموالهم وألسنتهم , وبكل ما يستطعون , فالمسلمون أمة واحدة, يسعى بذمتهم أدناهم, وهم علي من سواهم, والمسلم أخو المسلم, لا يظلمه ولا يسلمه أى لا يتخلي عنه ويمثل الإخوان في الجهاد الفلسطينى حركة المقاومة الإسلامية (حماس) التي يؤيدها كل حر شريف مسلما كان أو غير مسلم.
أما فيما عدا هذا الجهاد العسكرى الذي يوجه فيه السلاح إلي أعداء الأمى فعندهم أنواع أخرى من الجهاد الذي تحتاج إليه الأمة ولا يرتاب احد في أنه فريضة وضرورة.
فالجهاد بالدعوة وتبليغ الرسالة وإقامة الحجة إحدى هذه المراتب وعى المذكورة في سورة الفرقان المكية (فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا) وهذا الجهاد متاح اليوم بصورة لم تعهد من قبل: عن طريق الكلمة المقروءة والمسموعة والمرئية وعن طريق الإذاعات الموجهة القنوات الفضائية وشبكة الإنترنت وغيرها من الوسائل والآليات التي تحتاج إلي طاقات بشرية هائلة وإلي أموال طائلة وإلي جهود مكثفة لم نقم بواحد في الألف منها مع أن هذا – كما قلت وأقول دائما هو جهاد العصر.