والجهاد بحمل المتاعب والمحن والشدائد في سبيل الدعوة والصبر عليها إحدى هذه المراتب وهى مذكورة في سورة العنكبوت المكية (أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون, ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين. أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ساء ما يحكمون من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت وهو السميع العليم ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه إن الله لغنى عن العالمين) الآيات:١-٦
وجهاد الظلمة والفجرة بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والوقوف في وجه الباطل وقو (لا) للمسرفين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون: إحدى هذه المراتب وهو ما جاء في حديث ابن مسعود الذي رواه مسلم في صحيحه: “ ما من نبى بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمرهم ثم أنها يخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل”.
وجهاد الحكام الظلمة باليد – أى بالقوة العسكرية – إنما هو لمن يستطيعه ومن لم تكن معه هذه القوة انقلب فرضه إلي المجاهدة باللسان فمن عجز انتقل فرضه إلي الجهاد بالقلي وذلك أضعف الإيمان.
والإسلام يشدد في استخدام القوة المادية حتى لا تؤذى محاولة إزالة المنكر إلي منكر أكبر منه وهو ما سجله التاريخ والواقع.
وفي عصرنا لا يملك الجهاد باليد إلا (القوات المسلحة) وهى في يد الحكومة لأنها جزء من أجهزتها.
والذين يفكرون أن يقاوموا القوات المسلحة ببعض فئات من الشعب مخطئون يقينا: مخطئون عسكريا لأنهم لم يفهموا إمكانات الجيوش الحديثة وقدراتها, ومخطئون دينيا, لأنهم يلقون بأيديهم إلي التهلكة, ويعرضون أنفسهم لمخاطر لا قبل لهم بها. والحديث الشريف يقول:“ لا ينبغي لمؤمن أن يذل نفسه قيل: وكيف يذل نفيه يا رسول الله؟ قال:” يعرضها من البلاء لما لا تطيق"
كما أنهم هنا قد يقتلون من لا يجوز قتله. والأصل في الدماء الحظر والتشديد. وجماعات الجهاد في مصر والجزائر وفي غيرها ترى – بإمكاناتها المحدودة – أن تقاتل القوات المسلحة, وتنسى الفارق في القدرة المادية عند الطرفين , كما تنسى أن الجندى في القوات المسلحة إنما هو آلة في ترس, لا يملك أن يعصى أمرا لمن فوقه, فعلام يقتل؟
ومن ناحية آخرة , لا يبالي هؤلاء من يقتل من الأبرياء من الرجال والنساء والولدان, الذين لا يستطعيون حيلة ولا يهتدون سبيلا, وقد نهى الرسول الكريم عن قتل النساء والصبيان في الحرب (الرسمية) بين المسلمين وأعدائهم حين تلتقى الجيوش وجها لوجه في يقتل إلا من يقاتل.
المهم أن فقه الإخوان في الجهاد يخالف فقه هذه الجماعات الجديدة.
كما أن فقه الإخوان في التغيير يخالف فقهها. فالإخوان يرون أن التغيير لابد أن يتم أولا داخل النفس الإنسانية, فالإنسان يقاد من داخله لا من خارجه من ضميره لا من يده, وهذا ما قرره القرآن في صورة قانون اجتماعى عام (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) وهذا طريق طويل ولكن لا طريق غيره يوصل إلي الغاية.
وقد رددت علي فقه هذه الجماعات في استخدام العنف في محاضرات وخطب وحلقات تليفزيونية في الفضائيات المعروفة, مثل برنامج (الشريعة والحياة) في قطر وبرنامج (المنتدى) في تليفزيون أبو ظبى, وفي (دار الرعاية) في لندن وغيرها.
وبينت أن حسن النية والرغبة في نصرة الدين عند هذه الجماعات لا يبرر لها ما تفعل. فقد كان الخوارج صواما عبادا, ولم يغن عنهم ذلك من الله شيئا, وأمر الرسول بقتالهم وقتلهم لخطرهم علي المجتمع, وصحت الأحاديث في ذمهم من عشرة أوجه, كما قال الإمام أحمد.
لا يكفي حسن النية فمن الناس من زين له سوء عمله فرآه حسنا!
بل إن هذه الجماعات يخالف فقهها فقه الإخوان في قضايا كثيرة في السياسة الشرعية وفي الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والفكرية والفنية والإعلامية وغيرها. فهم متشددون في قضايا المرأى وفي قضايا التعددية السياسية وفي اقتباس بعش أساليب الديمقراطية وضماناتها مثل الانتخاب ,التصويت بالأغلبية وإلزامية الشورى وتحديد مدة الأمير أو الرئيس.. الخ.
وكذلك في العلاقة بغير المسلمين من المواطنين وعلاقة الدولة الإسلامية بغيرها هل أساسه السلم أو الحرب؟ وإلي أى حد تتدخل الدولة في شئون الاقتصاد؟
فالعجب أن يقال: إن هذه الجماعات خرجت من معطف الإخوان ,وهى تناقض الإخوان فكرا وأسلوبا وتتهم الإخوان بأنهم فرطوا في الدين وتعتبر اجتهادهم في قضايا العصر: ضربا من التبعية والخضوع لتيار التغريب والغزو الفكرى! أعنى أن هذه الجماعات المسلحة تضاد الإخوان وتناقضها في توجاتها وهى ليست ذلك في مصر وحدها بل هى كذلك في الجزائر وغيرها.
بيانات الإخوان المتكررة تدين العنف
في السنين الأخيرة أوضح الإخوان موقفهم من العنف بكل الصراحة والوضوح في بيانات رسمية معلنة ومنشورة يدينون فيها العنف ويستنكرونه ويرفضونه بكل أشكاله وصوره, ,أيا كانت مصادره وبواعثه, وذلك علي أساس فهمهم لقيم الإسلام ومبادئه وتعاليمه كما سبق أن أكد الإخوان مرارا علي ضرورة إيقاف أعمال العنف المضاد, من منطلق وقاية البلاد من نزيف الدم الذي حرمه الله والحفاظ علي المجتمع من الانهيار الاجتماعي والخراب الاقتصادى والذي لن يستفيد من ورائه إلا أعداء الإسلام وخصوم المسلمين.
لقد أدى الإخوان المسلمون دورهم بالنسبة لهذه القضية علي أكمل وجه ممكن وبما تتيحه طاقاتهم وإمكاناتهم فعقدوا لذلك العديد من الندوات والمحاضرات والمؤتمرات واللقاءات العامة, واصدروا البيانات والنشرات والكتيبات لتوعية المواطنين (وبخاصة الشباب) وتنبيه الرأى العام لمخاطر العنف والعنف المضاد وأثره السلبى علي أمن واستقرار مصر فضلا عن دورها الريادى تجاه أمتها العربية والإسلامية كما ان الإخوان حالوا – من خلال التربية المستمرة والتوجيه المباشر للشباب – دون وقوع عشرات الآلاف منهم في براثن أعمال العنف, وكم لهذا آثاره وانعكاساته البعيدة المدى علي تحجيم هذه الأعمال وعدم تناميها وانتشارها.
وقد ظهر للشعب المصرى بل للعالم كله في شتى بقاع الأرض ما تحمله دعوة الإخوان المسلمين من حكمة واعتدال وبعد نظر, وحرص علي إسعاد البشر كل البشر ولم يحدث خلال الأزمات الماضية والحالية علي كثرتها – والتي كان من الممكن أن تعصف بأمن الوطن واستقراره – أن استغل الإخوان أية فرصة لتصفية حسابات أو ممارسة أى عمل من أعمال العنف (ولو عل المستوى الفردى) أو عقد اتفاقات أو تشجيع ممارسات من شأنها أن تضر بالصالح العام بل كانوا حريصين كل الحرص علي أمن وسلامة وطنهم وهدوء واستقررار مجتمعهم وذلك من منطلق إيمانهم وحبهم إسلامهم والتزامهم بأصول دعوتهم (بيان الإخوان بتاريخ ١٨ يونيو ١٩٩٤)
وقد تعددت البيانات الصادرة عن الجماعة والتي تدين العنف, وتعبر فيها عن رأيها في هذا الخصوص وقد قامت كل الصحف في مصر الحكومية والحزبية بنشرها في حينها إما كاملة أو مقتطفات منها, بحيث لم يعد في مصر أحد يجهل رأى الإخوان في هذه القضية. وكان من ابرز البيانات التي صدرت ذلك البيان الجامع الصادر في ٣٠ من ذى القعدة ١٤١٥ هـ الموافق ٣٠ من أبريل ١٩٩٥ والذي جاء فيه.
" لقد أعلن الإخوان المسلمون عشرات المرات خلال السنوات الماضية: أ، هم يخوضون الحياة السياسية ملتزمين بالوسائل الشرعية والأساليب السلمية وحدها مسلحين بالكلمة الحرة الصادقة والبذل السخى في جميع ميادين العمل الاجتماعي.. مؤمنين بأن ضمير الأمة ووهى أبنائها هما في نهاية الأمر الحكم العادل بين التيارات الفكرية والسياسية والتي تتنافس تنافسا شريفا في ظل الدستور والقانون وهم لذلك يجددون الإعلان عن رفضهم لأساليب العنف والقسر ولجميع صور العمل الانقلابي الذي يمق وحدة الأمة والذي قد يتيح لأصحابه فرصة القفز علي الحقائق السياسية والمجتمعية ولكنه لا يتيح لهم أبدأ فرصة التوافق مع الإرادة الحرة لجماهير الأمة.. كما أنه يمثل شرخا هائلا في جدار الاستقرار السياسي وانقضاضا غير مقبول علي الشرعية الحقيقية في المجتمع.
وإذا كان جو الكبت والقلق والاضطراب الذي يسيطر علي الأمة قد ورط فريقا من أبنائها في ممارسة إرهابية, روعت الأبرياء وهزت امن البلاد وعددت مسيرتها الاقتصادية والسلمية, فإن الإخوان المسلمين يعلنون – في غير تردد ولا مداراة – أنهم براء من شتى أشكال ومصادر العنف, مستنكرون لشتى أشكال ومصادر الإرهاب وأن الذين يسفكون الدم الحرام أو يعينون علي سفكه شركاء في الإثم, واقعون في المعصية, وأنهم مطالبون في غير حزم وبغير إبطاء أن يفيئوا إلي الحق, فإن المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده , وليذكروا - وهم في غمرة ما هم فيها – وصية الرسول صلي الله عليه وسلم في حجة الوداع “ ايها الناس إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم إلي يوم القيامة كحرمة يومكم هذا في عامكم هذا في بلدكم هذا”.