أما الذين يخلطون الأوراق عامدين , ويتهمون الإخوان ظالمين بالمشاركة في هذا العنف والتورط في ذلك الإرهاب متعللين في ذلك بإصرار الإخوان علي مطالبة الحكومة بألا تقابل العنف بالعنف وأن تلتزم بأحكام القانون والقضاء وأن تستوعب في دراستها ومعالجتها لظاهرة العنف جميع الأسباب والملابسات ولا تكتفي بالمواجهة الأمنية – فإن ادعاءاتهم مردودة عليهم بسجل الإخوان الناصع كرابعة النهار علي امتداد سنين طويلة شارك الإخوان خلال بعضها في المجالس النيابية والانتخابات التشريعية, واستبعدوا خلال بعضها الآخر عن تلك المشاركة, ولكنهم ظلوا علي الدوام ملتزمين بأحكام الدستور والقانون حريصين علي أن تظل الكلمة الحرة الصادقة سلاحهم الذي لا سلاح غيره يجاهدون به في سبيل الله (ولا يخافون لومة لائم) والأمر في ذلك كله ليس أمر سياسة أو مناورة ولكنه أمر دين وعقيدة يلقى الإخوان المسلمون عليهما ربهم (يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم) الشعراء ٨٨, ٨٩
شهادات المسؤولين للإخوان
ولعله من لمناسب هنا أن نورد شهادات للمسؤولين الرسميين في مصر عن موقف جماعة الإخوان المسلمين من هذه القضية يثبت كذلك كذب كل ما يقال عنهم بعد ذلك:
تصريح الرئيس حسنى مبارك:
فقد صرح الرئيس محمد حسنى مبارك لجريدة (لوموند) الفرنسية أثناء زيارته لفرنسا سنة ١٩٩٣ بتصريح نشرته الصحف المصرية وفي مقدمتها جريدة (الأهرام بتاريخ ١/١١/ ١٩٩٣ قال فيه:
“إن هناك حركة إسلامية في مصر تفضل النضال السياسى علي العنف وقد دخلت هذه الحركة بعض المؤسسات الاجتماعية واستطاعوا النجاح في انتخابات النقابات المهنية مثل الأطباء والمهندسين والمحامين”.
شهادة وزير الداخلية المصرى:
ولم يكن رئيس الجمهورية هو الوحيد من رجال السلطة الذي أكد انقطاع أى صلة للإخوان بالعنف والإرهاب, بل إن وزير الداخلية الحالي اللواء حسن الألفي في مؤتمره الصحفي الذي عقده ونشرت وقائعه بتاريخ ١٤ من أبريل سنة ١٩٩٤ سئل عن علاقة الإخوان بتنظيم الجهاد أو الجماعة االإسلامية – وهما المنظمتان اللتان يتهمها النظام باستخدام العنف – فكان رده:
“ الإخوان جماعة لا يرتكب أفرادها أعمال عنف بعكس تلك المنظمات الإرهابية” (جريدة الجمهورية وجريدة الأهرام عدد ١٤/٤/١٩٩٤ م)
شهادة خبير الأمم المتحدة:
كما أكد ذلك الخبراء والمختصون في هذا المجال وعلي رأسهم خبير الإرهاب الدولي المصرى بالأمم المتحدة اللواء أحمد جلال عز الدين – والذي قام الرئيس مبارك بتعيينه عضوا بالبرلمان عام ١٩٩٥ ضمن العشرة الذين يحق لرئيس الجمهورية تعيينهم – حيث صرح في مقابلة موسعة له عن (الإرهاب والتطرف) مع جريدة الأنباء الكويتية:
“أن الإخوان المسلمين حركة دينية سياسية ليس لها صلة بالإرهاب والتطرف”.. وأن الإخوان في نظر عدد كبير من تنظيمات العنف يعتبرونهم متخاذلين وموالين للسلطة ومتصالحين معها." (العدد ٦٥٦٠ من جريدة (الأنباء الكويتية) الصادرة في ١٣/٨/١١٤) .
شهادة د. مصطفي الفقي:
كما أن الدكتور مصطفي الفقي مدير مكتب الرئيس حسنى مبارك لشؤون المعلومات قد أعلن في مؤتمر الإدارة العليا بالإسكندرية:
“ نحن نقبل نشاركه التيار الإسلامي المعتدل, والممثل في جماعة الإخوان المسلمين ومنحها الشرعية بشروط, أبرزها إعلانهم نبذ العنف ومقاومته علنا وقبول مبدأ الديمقراطية بكل صيغها وفي مقدمتها تداول السلطة والأحزاب والحوار” (صحفية الوفد) المصرية في ١/١١/ ١٩٩٣) .
الإخوان والتنظيمات السرية:
فليس لدى الإخوان المسلمين أية تنظيمات سرية أو النية لعمل تنظيمات تعمل تحت الأرض بعيدا عن الأعين فليس هذا من منهاجهم أو توجههم فضلا عن أن العمل السرى يضر بالعمل الدعوى.
فأما أن التنظيمات السرية لا تتفق ومنهج الإخوان, فذلك واضح من خلال حركتهم ونشاطاتهم في مجالات كثيرة ومتعددة عبر العقود الأخيرة, كما أن لافتاتهم وملصقاتهم موضوعة في كل مكان من أرض مصر شاهدة علي أنهم يعملون في وضح النهار وأنهم موجودون وسط الميدان يعيشون مع الناس ويمتزجون بهم ويشاركونهم أفراحهم وأتراحهم.
لقد دخل الإخوان المسلمون انتخابات مجلس الشعب في عامى ٨٤, ٨٧, كما أنهم خاضوا انتخابات مجلس الشورى عام ١٩٨٩ والمحليات عام ١٩٩٢ هذا فضلا عن الإنتخابات المتعاقبة للنقابات المهنية المختلفة.
وكان تحرك الإخوان في هذه الإنتخابات جميعها علنيا وظاهرا وبارزا بشعاراتهم ولقاءاتهم وبياناتهم. وهم الآن موجودون في النقابات لمهنية المختلفة ونوادي هيئة تدريس الجامعة والجمعيات والمجالس المحلية ومنم خلال الانتخابات النزيهة الحرة.
ولا يستطيع أحد أن ينكر دورهم أن ينكر دورهم في مجلس الشعب عامى ٨٤,٨٧ وتكوينهم لتكتل نيابى باسم جماعة الإخوان المسلمين وكيف أنهم أثروا الحياة النيابية بأفكارهم وآرائهم وتوجيهاتهم في كل الاتجاهات السياسة والاقتصادية والاجتماعية ولذلك كان لمجلس الشعب في هذين الفصلين التشريعين مكانته ونصيبه في اهتمامات الناس.
ولم يختلف الإخوان المسلمون يوما ما عن الإدلاء بدلوهم وتبيان آرائهم ومواقفهم في آية قضية محلية أو إقليمية أو دولية.
فلماذا بعد كل هذا يلجأ الإخوان لعمل تنظيمات سرية؟
وأما أن التنظيمات السرية تضر بالعمل الدعوى فهذا يرجع إلي أن التنظيمات السرية تعمل في الظلام والظلام بطبيعته يستحيل معه – مهما كانت القيادة نشطة وواعية ومتحركة وجادة – متابعة كل الأفراد (خاصة إذا كان عددهم عظيما) من حيث العقيدة والأفكار والسلوكيات والأخلاق ومدى مطابقة هذا من عدمه مع العقيدة الصحيحة والأفكار الأصيلة للدعوة والسلوكيات والأخلاق الأساسية للإسلام.
ولأن الإخوان المسلمين ينتمون إلي أهل السنة والجماعة ويعتبرون أنفسهم جماعة من المسلمين فإن عقيدتهم وفكرتهم من حيث النقاء والأصالة لا تشوبها شائبة كما أن مناهجهم واضحة ومتميزة من حيث اعتمادها علي الكتاب والسنة والفهم الصحيح الذي أجمع عليه أهل العلم الثقات, وبالتالي فهم حريصون علي ألا تشوه دعوتهم من قبل فرد أو مجموعة ومخافة أن تنحرف الدعوة الدعوة عن مسارها الأصلي, ينبذ الإخوان المسلمون العمل السرى ويرونه خطرا علي دعوتهم وعلي أفرادهم.
إن العمل الدعوى في وضح النهار يكشف في وقت مبكر وبدون عناء أى انحراف يصيب العقيدة أو الفكر كما أنه يفضح اى سلوك يخالف تعاليم الإسلام وهديه, وحتى لو حدث هذا فإنه يمكن معالجته سريعا وبشكل ميسور أو أن تنفي الدعوة عن نفسها الخبث فتتخلص مما يريد أن يعلق بها.
غير أن بعض الكتاب من غير المنصفين يحاول الآن وبشكل مبتسر إبهام الرأى العام بأن جماعة الإخوان صاحبة تاريخ عريق في التنظيمات السرية وأعمال الاغتيالات.. الخ مستشهدين ببعض الأعمال الفردية التي انزلق غليها أفراد من النظام الخاص في الأربعينات والتي أدانتها قيادة الإخوان في حينها.
ومن الحق والإنصاف القول بأن ظروف البلاد في الأربعينات ومطلع الخمسينات من هذا القرن اقتضت أن يشكل الإخوان – كغيرهم من لجماعات الوطنية في ذلك الوقت – نظاما من بعض الأفراد المحبين للتضحية والاستشهاد للقيام بعمليات جهادية ضد المحتل الانجليزي الغاصب الذي كان جاثما علي صدر مصر وأيضا عصابات صهيون التي كانت ولا تزل تعربد بكل الوحشية والإجرام في أرض فلسطين, وقد أدى هذا النظام الخاص دوره علي أروع ما يكون الأداء حيث شهدت ضفاف القناة وثرى أرض فلسطين بطولات خارقة وأعمالا استشهادية فذة للإخوان المسلمين يفخر به كل غيور علي بلاده, وقد انتهى النظام الخاص بانتهاء مسببات قيامه منذ أمثر من أربعين سنة ولم يعد له وجود إلا الذكرى. (الإخوان المسلمون -٣- ذى القعدة١٤١٥هـ / ٣٠ من ابريل ١٩٩٥) .