٢- ونريد بعد ذلك: البيت المسلم في تفكيره وعقيدته وفي خلقه وعاطفته, وفي عمله وتصرفه ونحن لهذا نعنى بالمرأة عنايتنا بالرجل ونعنى بالطفولة عنايتنا بالشباب وهذا هو تكويننا الأسرى.
٣- ونريد بعد ذلك: الشعب المسلم في ذلك كله أيضا, ونحن لهذا نعمل علي أن تصل دعوتنا إلي كل بيت, وأن يسمع صوتنا في كل مكان وأن تنتشر فكرتنا وتتغلغل في القرى والنجوع والمدن والمراكز والحواضر والأمصار ولا نألو في ذلك جهدا ولا نترك وسيلة.
٤- ونريد بعد ذلك: الحكومة المسلمة التي تقوم هذا الشعب غلي المسجد وتحمل به الناس علي هدى الإسلام من بعد, كما حملتهم علي ذلك بأصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم من قبل. ونحن بهذا لا نعترف بأى نظام حكومة لا يرتكز علي أساس الإسلام ولا يستمد منه.
٥- ونريد بعد ذلك أن نضم إلينا كل جزء من وطننا الإسلامي الذي فرقته السياسية الغربية, وأضاعت وحدته المطامع الأوروبية ونحن بهذا لا نعترف بهذه التقسيمات السياسية التي تجعل من الوطن الإسلامي دويلات ضعيفة يسهل ابتلاعها علي الغاصبين.
ولا نزاع في أن الإخوان قد حققوا – إلي حد كبير – بعض هذه االأهداف بالنظر إلي تكوين الفرد المسلم والبيت والمسلم والشعب المسلم.
ولا يشك منصف في تأثير الحركة الإسلامية في تغير الأفكار والمشاعر والسلوك لدى الكثير ممن كانوا قد استسلموا لتيار الحضارة الغربية الزاحف وساروا وراءها شبرا شبرا , وذراعا بذراع وظهر أثر ذلك في الأسرى المسلمة والمجتمع المسلم.
والحكومة الإسلامية التي تقم بالفعل في مصر ولكن تهيأ الرأى العام لها تهيؤا كبيرا بحيث لو ترك الناس أحرارا ليختاروا لأنفسهم لاختاروا الإسلام وممثليه كما ظهر ذلك بوضوح في الجزائر وكما ظهر في مصر في انتخابات النقابات المهنية واتحادات الطلاب الجامعية وانتخابات نوادى هيئات التدريس بالجامعات.
والأمة الإسلامية الواحدة لم تقم بالفعل ولكن وجدت هذه الأمى في عقول الكثيرين من المسلمين ومشاعرهم كما بينت ذلك في كتيب لنا بحق (الأمة الإسلامية حقيقة لا وهم) .
قيام حكومات إسلامية
٢- علي أننا ينبغي ألا ننسى أن هناك حكومة إسلامية قامت – علي أساس المذهب الشيعى – في غيران وحكومة أخرى قامت علي أساس المذهب السنى في السودان وتأثير الحركة الإسلامية في إقامة هاتين الحكومتين لا ينكر حتى حكومة إيران الشعبية فقد تأثروا بفكر الإخوان.
وقام في فترة من الزمن حكم إسلامى جزئى في الأردن ومثله في اليمن, ومثله في تركيا ولو ان الأمر بيد الشعوب الإسلامية, تقضى أمرها بنفسها وتختار لنفسها ما تريد, ومن تريد ما اختارت إلا الإسلام , ولكن القوى الغالبة علي أمر المسلمين لا تمكنهم من ذلك, ولا تمنحهم الفرصة لذلك ابدأ وبهذا أصبحوا كما قال الشاعر في قبلية تيم:
ويقضى الأمر حين تغيب تيم ولا يستأذنوا وهم شهود!
الدولة المسلمة مسؤولية الجميع:
علي أن عدم إقامة الحكومة المسلمة أو الدولة المسلمة, ليس مسؤولية الإخوان وحدهم فهذا الأمر فريضة علي كل المسلمين: أن تقودهم حكومة مسلمة تحكم بما أنزل اللهو ولا تتبع الهوى فيضلها عن سبيل الله.
ويجب أن يسأل الجميع أنفسهم: ماذا قدمنا لإقامة دولة الإسلام, فليس يكفي أن يسال المسلمون الإخوان: لماذا لم يقيموا دولة الإسلام التي دعوتهم إليها؟ فقد يجيبهم الإخوان وماذا عملتم أو بذلتم لنا حتى نقيمها معا؟!
وأذكر أن الداعية الموفق: وأنتم صار لكم عشرون سنة وأنتم تسمعون فماذا عملتم؟!
إن السامع شريك المتكلم في تحمل التبعة وإن المدعو شريك الداعى في المسؤولية
بذر البذرة أم قطف الثمرة؟
بقى نا أمر مهم, بل في غاية الأهمية هو: أن المطلوب من المسلم والواجب شرعا: أن يسعى لإقامة دولة الإسلام, ,حكم الإسلام, حتى يكون للمسلمين إمام يقود أمتهم ويجسد وحدتهم ويحكم شريعتهم فرارا من أن يموتوا (ميتة جاهلية) وهو ما حذر منه رسول الإسلام حين قال:“ من مات وليس في عنقه بيعة فقد مات ميتة جاهلية” وينجى المسلم من الإثم هنا أن يسعى مع الساعين لإيجاد هذا الإمام.
والإنسان يملك أن يسعى ويجهد ولكنه لا يملك أني يكلل سعيه بالنجاح وهذا ما قاله الناس من قديم وتحدث عنه الشعراء كما قال القائل:
علي السعى فيما فيه نفعى وليس علي إدراك النجاح!
ولقد ناقشت بعض الإخوة من حزب التحرير سنة ١٩٥٢ حين زرت الأردن لأول مرة وقد كانوا يتبنون فكرة: أن أى دعوة أو حركة تعمل لإقامة الدول الإسلامية ثم تمضى عليها ٢٣ سنة (وبعضهم قال: ١٣ سنة) ولا تحقق هدفها لابد أن يكون طريقها خطأ.
قلت لهؤلاء الإخوة: ما قولكم في سيدنا نوح؟ قالوا رسول من أولي العزم من الرسل قلت وما رأيكم في دعوته؟ قالوا: دعوة حق وخير وهدى. قلت: وما رأيكم في أسلوبه وطريقته؟ قالوا أسلوب بليغ متميز قلت: ولكن نوحا عليه السلام ظل ألف سنة إلا خمسين عاما يدعو قومه فلم يستجيبوا له وسجل ذلك القرآن حين قال قال رب إنى دعوت قومى ليلا ونهارا. فلم يزدهم دعائي إلا فرارا. وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا نوح:٥-٧)
ورغم مرور نحو ثلاثين جيلا عليه ما آمن معه إلا قليل, حتى امرأته وابنه, لم يؤمنا به, ولا غرو أن دعا علي قومه قائلا رب لا تذر علي الأرض من الكافرين ديارا. إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا نوح: ٢٦ -٢٧)
إن الداعية عليه أن يبذر البذرة ويتعهدها بالسقى والتسميد والرعاية ولكن قد تحول حوائل سماوية أو قدرية أو بشرية دون نضج الثمرة أو قطف الثمرة فهو يبذر الحب ويرجو الثمار من الرب.
إن الله تعالي لن يسأل عباده يوم الحساب: لماذا لم تنجحوا؟ ولماذا لم تنتصروا؟ ولكنه سبحانه سيسألهم: لماذا لم تعملوا؟ لماذا لم تجاهدوا؟ لماذا لم تحاولوا؟
فإذا عملوا وجاهدوا وحاولوا فقد ارتفع الإثم عنهم, إذ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
وهنا يقول الأستاذ البنا: إن العامل يعمل لأداء الواجب أولا ثم للأجر الأخروي ثانيا ثم للإفادة (أى تحقيق الهدف في الدنيا) ثالثا.
وهو إن عمل فقد أدى الواجب وفاز بثواب الله , ما في ذلك من شك متى توافرت شروطه وبقيت الإفادة وأمرها إلي الله فقد تأتى فرصة لم تكن في حسبانه تجعل عمله يأتى بأبرك الثمرات علي حين أنه إذا قعد عن العمل فقد لذمه إثم التقصير وضاع منه أجر الجهاد وحرم الإفادة قطعا فأي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا؟ وقد أشار القرآن إلي ذلك بصراحة ووضوح لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلي ربكم ولعلهم يتقون فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وآخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون الأعراف ١٦٤, ١٦٥
الإخوان والمشروع الحضارى
ومن التهم التي وجهت إلي الإخوان: أنه ليس لديهم (مشروع حضارى) متميز يقدمونه للناس ويحلون به المشكلات المعقدة للجتمعات التي نشأوا فيها. إنما كل ما عندهم مبادئ عامة وأفكار (هلامية) وبيانات عاطفية تهز المشاعر ولا تعالج المشاكل.
عند الإخوان خاصة – خطب ومحاضرات ورسائل ومقالات وكتب ومطبوعات تشرح بعض جوانب من الإسلام, وربما كان شرح بعضها جيدا أو ممتازا, ولكنها لا تقدم مشروعا متكاملا للنهضة والإصلاح والتجديد الحضارى وبناء الأمة من جديد علي أسس واضحة وركائز معلومة تقتنع بها العقول قبل أن تستثار بها العواطف! وربما خدع بعض الناس بهذا الكلام وتصورا أن الإخوان لم يقدموا (مشروعا) للناس.
والواقع أن الإخوان قدموا مشروعا متكاملا للناس في مضمونه وإن لم يكن متكاملا في شكله وصورته.
وهذا كما يقال: إن الإسلام ليس لديه نظرية سياسية أو نظري اقتصادية وهذا قد يكون مسلما بالنسبة للشكل فليس في التراث الإسلامى شئ اسمه (النظرية السياسية) أو (النظرية الاقتصادية) ولكن مادة هذه النظرية وتلك موجودة في تعاليم الإسلام وأحكامه, ومبثوثة في مصادره ومراجعه.
دعائم المشروع الحضارى للإخوان:
مشروع الإخوان الحضارى موجود في مصادرهم وهو يقوم علي جملة دعائم:
١- الإيمان بالمرجعية العليا للإسلام المجسدة في القرآن والسنة في بناء حياتنا كلها, ثقافية وتربوية واجتماعية وسياسية واقتصادية.