لا أعرف فى التاريخ الحديث جماعة ظلمت, وكيلت لهم التهم جزافا كما ظلمت جماعة الإخوان لقد ظلمت – كما يقول المثل - ظلم الحسين رضى الله عنه.
وأعجب شئ يلحظه الدارس المراقب أنها تتهم بالشئ ونقيضه فى آن واحد فيتهمها قوم بشئ ويتهمها آخرون بضده تماما, وهذا بدوره يسقط هذه التهم كلها, ولا يجعل لعا اعتبارا.
فهناك من يسمون “ التقدميين” الذين يرمون الجماعة بالرجعية والجمود والرجوع بالأمة إلى الوراء والمحافظة على القديم, بل من الكاتبين فى الفكر الإسلامى من يتهمهم بأنهم انتكسوا بحركة التجديد بعد الأفغانى ومحمد عبده ومالوا بها إلى المحافظة والتزمت!
على حين نجد من المتدينين وأتباع بعض الجمعيات والاتجاهات الدينية: من يرمى الجماعة بالتحرر الزائد والترخص فى الدين, المسايرة للتطور, ومن ينكر عليهم فتح باب الاجتهاد, والخروج عن تقليد المذاهب المتبوعة, وتبنى بعض الآراء الجديدة.
وهناك من المتصوفة من يعد الجماعة من “ الوهابيين” وتلامذة مدرسة الإمامين “ ابن تيمية وابن القيم” ويحسبهم على “ السلفيين” ويعتبرهم خصوما لذا للتصوف وأهله!.
فى حين نجد من السفليين من يصنف الإخوان مع “ الطرق الصوفية” ويحشرهم فى زمرة “ القبوريين” لمجرد أن حسن البنا نشأ صوفيا, وأنه اعتبر “ التوسل” من الوسائل الخلافية" وأنه خلاف كيفية الدعاء وليس من مسائل العقيدة!.
والإخوان فى نظر الأحزاب السياسية والهيئات العلمانية: جماعة دينية غمست يدها فى السياسة والسعى إلى الحكم, وما ينبغى لها أن تلوث نفسها بأوحال السياسة ولا أن تدخل مع الأحزاب فى الصراع من أجل الحكم.
وهى فى نظر آخرين من الإسلاميين قد قصرت فى خوض غمار السياسة ولم تستغل قوتها وشعبيتها كما ينبغى فى السعى إلى الحكم, وانتزاعه بالقوة أو بالقانون من أيدى الطغاة والمنحرفين الذين أفسدوا البلاد وأذلوا العباد.
وهى فى نظر الملك فاروق وحاشيته وحكوماته المتعاقبة , وعند الإقطاع والإقطاعيين: جماعة شعبية ثورية متطرفة, تعادى الملك والملكية والطبقات الارستقراطية من الفلاحين والعمال والرأسمالية المتسلطة, وتحرض الفئات الشعبية المستضعفة من الفلاحين والعمال على السادة الإقطاعيين والرأسماليين وتعمل على قلب نظام الحكم بلا قوة وكم للإخوان من قضايا وتحقيقات سجلت ضدهم تحت هذه الدعوى.
أما فى نظر الشيوعيين واليساريين وأشباههم فهى (جماعة يمينية) محافظو , موالية للملك والإقطاع والطبقات الحاكمة المتجبرة, ولم يشفع للإخوان عند (جماعة اليسار) ما قاسوه من محن وتعذيب على يد هذه الطبقات , وما قدموه من ضحايا وشهداء على رأسهم إمام الجماعة ومؤسسها عليه رحمة الله.
والإخوان فى نظر بعض الشباب الملتزمين بالعمل الإسلامى والمنتمين لبعض الجماعات الإسلامية: متساهلون بل مفرطون فى التساهل فى أمور الدين, فكثر منهم يلبسون “ البدلة” ولا يقصرون الثياب ويستعملون“ الفرشاة” بدل السواك ويحلقون لحاهم, أو يهذبونها ويأخذون منها إن هم أطلقوها.
هذا مع أن آخرين فى الصف المقابل: بعضهم من المسلمين, وبعضهم من غير المسلمين: يرمون الإخوان بالتشدد فى الدين والتصلب فيه, وأنهم لا يجارون العصر ولا يلينون لمقتضيات التطور!
وقد اتهمت الجماعة على ألسنة أجهزة الإعلام الحكومية فى عهد الملكية وعهد الثورة بالدموية والإرهاب واستعمال العنف, واستخدمت لذلك النكت والكاريكاتير. مستغلين بعض حوادث قام بها أفراد من الجماعة, بعضها كان ضد مصالح يهودية أو بريطانية فى مصر, وبعضها كان تصرفا خاصا من بعض أفراد الجماعة مثا قتل الخازندار.
وفى مقابل هؤلاء نجد آخرين من الجماعات المنتسبة إلى الإسلام, مثل جماعة صالح سرية وجماعة شكرى مصطفى التى أطلقوا عليها جماعة التكفير والهجرة- واسمها عند مؤسسها:“ جماعة المسلمين”- ومثلها (جماعة الجهاد) و (الجماعة الإسلامية) فى صعيد مصر: تتهم الإخوان بالضعف والاسترخاء, وخيانة مبدأ (الجهاد) الذى قامت عليه من قبل وجعلت منه شعاراتها (الجهاد سيبلنا والموت فى سبيل الله أسمى أمانينا) فأصبحت تؤثر المسالمة مع قوى الجاهلية كما اتهموها بالتهاون والتفريط فى حق الأعضاء وتسليمهم لكلاب الصيد, وسلطات التعذيب بلا مقاومة ولا صدام.
ومنذ مدة قرأت كتابا لواحد من رجال “ جماعة المسلمين” أو جماعة (التكفير) هذه ينقل عن صاحبه وأميره (شكرى) أنه قال فى صدد حديث له عن الإخوان“: إنى أتهم بالخيانة العظمى أولئك الرجال من قادة الحركة الإسلامية الذين قادوا رجالهم إلى التهلكة وفرطوا فى أعناقهم, وأوردوهم قيعان السجون وأسلموهم لجلاديهم وللمشانق... الخ فانظر كيف يتهم الإخوان بالخيانة العظمى لأنهم لم يقاتلوا الشرطة الذين قبضوا عليهم, وأسلموهم إلى المشانق أو السجون”
وهذا شأن الأمة الوسط أو الجماعة الوسط والفكرة الوسط: أنها دائما ملومة من الطرفين المتقابلين طرفى الإفراط والتفريط
اتهامات الغربيين للإخوان
وليس هذا شأن الإخوان مع الجماعات الدينية والسياسية داخل بلادنا فحسب بل هذا شأنها مع الآخرين مت الغربيين والشرقيين واليمينيين واليساريين , والرأسماليين والشيوعيين.
يقول د: محمود أبو السعود فى مقدمة ترجمته لكتاب د: ريتشارد. ب ميتشل عن الإخوان:
“ وهل الغرب, سواء من اهتم بالفكرة الدينية (المستشرقون) أم من اشتغل بالفكر السياسي: ينظرون إلى حركة الإخوان من زاوية عاطفتهم المسيحية أو اليهودية أو الصائبة أو من خلال مصالح الغرب الاستعمارية وفى الحالتين نجد منهم ذلك الخوف من قيام ” الدولة الإسلامية" التى دوخت الغرب قرونا طويلة وتدفعهم الرهبة من انتشار الدعوة الإسلامية الإخوانية التى تؤلب عليهم ذكريات التفوق الإسلامي, ولا ينهض بهم علمهم ولا أمانتهم العلمية حتى يسموا فوق التحيز فى الحكم أو حتى يروا الأمور على حقيقتها.
والمتصفح لكتابات هؤلاء وأمثالهم عن الإخوان يخرج بحصيلة تدعوا العجب بل كثيرا ما تبعث فى النفس الرثاء إن لم تكن السخرية فبينما يعتبرهم اليساريون من الرجعيين الذين رفعوا شعار “ العودة إلى الماضي” نرى الرأسماليين يرمونهم باليسارية والثورية, وبينما يرى فريق من كتاب الغرب أنهم فئة تقدمية خطرة على المذاهب الغربية, نجد فريقا آخر يرميهم بالتزمت والعنف والتنظيم العسكري (أو الفاشى) .. وهكذا دواليك.
فالإخوان فى نظر الشيوعيين: انتهازيون عملاء للإنجليز المستعمرين.
والإخوان فى نظر المنحازين للديمقراطية الرأسمالية: اشتراكيون مقنعون أو فاشيون إرهابيون.
والإخوان فى نظر الأوروبيين: دعاة إلى عودة الإمبراطورية الإسلامية البغيضة التى تحاول أن تكره الناس حتى يكونوا مسلمين مؤمنين.
وأغرب ما سمعت فى هذا الصدد: ما ذكره لى شخصا أحد كبار موظفي القصر فى عهد الملك فاروق وإذ أبلغنى أن فاروق كان يعتقد أن الإخوان يحصلون على مدد مالى سخى... من اليابان!!.
كل هذا هراء وافتراء, ولن يثبت ابدأ فى التاريخ , إذ لن يسجل التاريخ مثل هذه المزاعم الباطلة مهملا ما تركته الدعوة الإخوانية من حركة تجاوبت أصداؤها مع قلوب ملايين من البشر, فدفعتهم إلى المطالبة بضرورة الرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله الأمين عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم, وما زالت هذه الدعوة حية قويه تحتل الأفكار والقلوب, تنطلق بها الألسن وإن صدر قرار بحل هيئتها الرسمية, صودرت أموالها وقتل من قادتها من قتل وعذب وشرد واضطهد منهم العدد الغفير.