إنَّهُ حَالٌ مِنْ لَا تَدْخُلُوا، وَلَمْ يَتَأَمَّلْ الشَّيْخُ بَقِيَّةَ كَلَامِهِ.
فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى ذَلِكَ لَأَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ إنَّ مُرَادَهُ لَا تَدْخُلُوا غَيْرَ نَاظِرِينَ إلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ، وَيَكُونُ الْمَعْنَى أَنَّ دُخُولَهُمْ غَيْرَ نَاظِرِينَ إنَاهُ مَشْرُوطًا بِالْإِذْنِ. وَأَمَّا نَاظِرِينَ فَمَمْنُوعٌ مُطْلَقًا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، ثُمَّ قَدَّمَ الْمُسْتَثْنَى وَأَخَّرَ الْحَالَ، فَلَوْ أَرَادَهُ كَانَ إيرَادُ الشَّيْخِ مُتَّجِهًا مِنْ جِهَةِ النَّحْوِ، ثُمَّ قُلْت أَكْرَمَك اللَّهُ الثَّانِي وَكَأَنَّك أَرَدْت الثَّانِيَ مِنْ الْأَمْرَيْنِ اللَّذَيْنِ اخْتَلَفَ النُّحَاةُ فِيهِمَا؛ وَذَكَرْت اسْتِثْنَاءَ شَيْئَيْنِ.
وَقَدْ قَدَّمْت أَنَّنِي لَمْ أَظْفَرْ بِصَرِيحِ نَقْلٍ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ، كَمَا لَا يَكُونُ فَاعِلَانِ لِفِعْلٍ وَاحِدٍ وَلَا مَفْعُولَانِ بِهِمَا لِفِعْلٍ وَاحِدٍ لَا يَتَعَدَّى إلَى أَكْثَرِ مِنْ وَاحِدٍ كَذَلِكَ لَا يَكُونُ مُسْتَثْنَيَانِ مِنْ مُسْتَثْنًى وَاحِدٍ بِأَدَاةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَا مِنْ مُسْتَثْنًى مِنْهُمَا بِأَدَاةٍ وَاحِدَةٍ، لِأَنَّهَا كَقَوْلِك اسْتَثْنَى الْمُتَعَدِّي إلَى وَاحِدٍ، فَكَمَا لَا يَجُوزُ فِي الْفِعْلِ لَا يَجُوزُ فِي الْحَرْفِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَكَذَلِكَ اتَّفَقُوا عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَتَكَلَّمُوا فِيهِ فِي غَيْرِ بَابِ " أَعْطَى " وَشَبَهِهِ.
وَقَوْلُك إنَّهُ لَا يَكَادُ يَظْهَرُ لَهَا مَانِعٌ صِنَاعِيٌّ وَهِيَ جَدِيرَةٌ بِالْمَنْعِ، وَمَا الْمَانِعُ مِنْ قَوْلِ الشَّخْصِ مَا أَعْطَيْت أَحَدًا شَيْئًا إلَّا عَمْرًا دَانِقًا، وَإِنَّمَا يَنْبَغِي مَعَ ذَلِكَ فِي مِثْلِ إلَّا عَمْرًا زَيْدًا إذَا كَانَ الْعَامِلُ يَطْلُبُهُمَا بِعَمَلٍ وَاحِدٍ أَمَّا إذَا طَلَبَهُمَا بِجِهَتَيْنِ فَلَيْسَ يُمْتَنَعُ، وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ مَالِكٍ حُجَّةً إلَّا الشَّبَهَ بِالْعَطْفِ وَنَحْنُ نَقُولُ فِي الْعَطْفِ بِالْجَوَازِ فِي مِثْلِ مَا ضَرَبَ زَيْدٌ عَمْرًا وَبَكْرٌ خَالِدًا قَطْعًا فَنَظِيرُهُ مَا أَعْطَيْت أَحَدًا شَيْئًا إلَّا زَيْدًا دَانِقًا، وَصَرَّحَ ابْنُ مَالِكٍ بِمَنْعِهِ، وَقَدْ فَهِمْت مَا قُلْته.
وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ وَجَوَابٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَقَوْلُك إنَّ الْآيَةَ نَظِيرُهُ مَمْنُوعٌ بَلْ هِيَ جَائِزَةٌ وَهُوَ مَمْنُوعٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْله تَعَالَى وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ(آيَةٌ أُخْرَى) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْله تَعَالَى {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} يس: 40 إنْ قَدَّرْته " كُلُّهُمْ " فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْفَلَكِ الْأَفْلَاكَ؛ وَإِنْ قَدَّرْته " كُلٌّ مِنْهُمْ " فَيَكُونُ " يَسْبَحُونَ " جُمْلَةً أُخْرَى لَا خَبَرَ ثَانٍ عَلَى الْمَعْنَى لِئَلَّا يَلْزَمَ الْإِخْبَارُ بِالْمُفْرَدِ عَنْ الْجَمْعِ انْتَهَى.
قَوْله تَعَالَى فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ(آيَةٌ أُخْرَى) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي قَوْله تَعَالَى {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ} الصافات: 101 تَكَلَّمَ النَّاسُ فِي أَنَّ الذَّبِيحَ إسْمَاعِيلُ أَوْ إِسْحَاقُ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ -، وَرَجَّحَ جَمَاعَةٌ أَنَّهُ إسْمَاعِيلُ وَاحْتَجُّوا لَهُ بِأَدِلَّةٍ مِنْهَا وَصْفُهُ بِالْحِلْمِ وَذِكْرُ الْبِشَارَةِ بِإِسْحَاقَ بَعْدَهُ، وَالْبِشَارَةُ بِيَعْقُوبَ مِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَهِيَ أُمُورٌ ظَاهِرَةٌ لَا قَطْعِيَّةٌ، وَتَأَمَّلْت الْقُرْآنَ فَوَجَدْت فِيهِ مَا يَقْتَضِي الْقَطْعَ أَوْ يَقْرُبُ مِنْهُ. وَلَمْ أَرَ مَنْ سَبَقَنِي إلَى اسْتِنْبَاطِهِ؛ وَهُوَ أَنَّ الْبِشَارَةَ