الزّهْد هُوَ الَّذِي أَمر الله بِهِ وَلِهَذَا كَانَ فِي الْمُشْركين زهاد وَفِي أهل الْكتاب زهاد وَفِي أهل الْبدع زهاد
وَمن النَّاس من يزهد طلبا للراحة من تَعب الدُّنْيَا أَو من مَسْأَلَة أَهلهَا والسلامة من أذاهم أَو لطلب الرِّئَاسَة إِلَى أَمْثَال هَذِه الْأَنْوَاع الَّتِي لم يَأْمر الله بهَا وَلَا رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأما مَا أَمر الله بِهِ وَرَسُوله فَهُوَ أَن يزهد فِيمَا لَا يُحِبهُ الله وَرَسُوله ويرغب فِيمَا يُحِبهُ الله وَرَسُوله فَيكون زهده عَمَّا لم يَأْمر الله بِهِ أَمر إِيجَاب أَو اسْتِحْبَاب سَوَاء كَانَ محرما أَو مَكْرُوها أَو مُبَاحا وَيكون مَعَ ذَلِك مُقبلا على مَا أَمر الله بِهِ وَلَا يتْرك الْمَكْرُوه بِدُونِ فعل المحبوب
فَإِن الْمَقْصُود بِالْقَصْدِ الأول فَهُوَ فعل المحبوب وَترك الْمَكْرُوه معِين على ذَلِك فتزكو النَّفس بذلك كَمَا يزكو الزَّرْع إِذا نقى من الدغل
وَطَرِيق الْوُصُول إِلَى ذَلِك هُوَ الِاجْتِهَاد فِي فعل الْمَأْمُور وَترك الْمَحْظُور والاستعانة بِاللَّه على ذَلِك
فَمن فعل ذَلِك وصل إِلَى حَقِيقَة الْإِيمَان لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم احرص على مَا ينفعك واستعن الله بعد قَوْله الْمُؤمن الْقوي خير وَأحب إِلَى الله من الْمُؤمن الضَّعِيف وَفِي كل خير احرص على مَا ينفعك واستعن بِاللَّه وَلَا تعجز وَإِن أَصَابَك بِشَيْء فَلَا نقل لَو أَنِّي فعلت كَذَا وَكَذَا لَكَانَ كَذَا وَكَذَا وَلَكِن قل قدر الله وَمَا شَاءَ فعل فَإِن لَو تفتح عمل الشَّيْطَان
فصللَا ريب أَن الَّذين أُوتُوا الْعلم وَالْإِيمَان أرفع من الَّذين أُوتُوا الْإِيمَان فَقَط كَمَا دلّ عَلَيْهِ الْكتاب وَالسّنة
وَالْعلم الممدوح هُوَ الَّذِي ورثته الْأَنْبِيَاء